أخذت عليه؛ فعتبه ولامه، على أن لم يبدأ بها كلامه؛ ثم أخذ في الجهاد من فوره، وعرض مَنْ مِن الأجناد في نجده وغوره؛ وأصبح غازيا على سرجه، مباهيا مروان يوم مرجه، حتى وافى ابن شانجه في جمعه؛ فأخذت مهابته ببصره وسمعه؛ فبادر بالكتاب إليه يتعرف ما هي الجنية، ويحلف له بأعظم ألية، ما جنا ذنبا؛ ولا نبا عن مضجع الطاعة جنبا. فعنف أرساله، وقال لهم:(كان قد عاهدني ألا يبقى بأرضه مأسورة ولا مأسور، ولو حملته في حواصلها النسور؛ وقد بلغني بعد مقام فلانة المسلمة) بتلك الكنيسة. ووالله! لا أنتهي عن أرضه حتى أكتسحها!) فأرسل إليه المرأة في اثنتين معها، وأقسم له أنه ما أبصرهن، ولا سمع بهن، وأعلمه أن الكنيسة التي أشار بعلمها، قد بالغ في هدمها، تحقيقا لقوله، وتضرع له في الأخذ بطوله. فاستحيى منه، وصرف الجيوش عنه، وأوصل المرأة إلى نفسه، وألحق توحشها بأنسه، وغير سوء حالها، وعاد بسواكب نعماه على جذبها وإمحالها، وحملها إلى قومها، وكحلها بما كان شرد من نومها.
وحدث شعلة، قال: قلت للمنصور ليلة طال فيها سهره: (قد أفرط مولانا في السهر، وبدنه يحتاج إلى أكثر من هذا النوم؛ وهو يعلم ما يحركه عدم النوم من علة العصي!) فقال لي: (يا شعلة، إن الملك لا ينام إذا نامت الرعية! ولو استوفيت نومي، لما كان في دور هذا البلد العظيم عين نائمة!) وكان المنصور يزرع في كل سنة ألف ألف مدى من الشعير قصيلا لدوابه الخاصة به؛ إذا قدم من كل غزوة من غزواته، لا يحل عن نفسه حتى يدعو صاحب الخيل، فيعلمه ما مات منها وما عاش، وصاحب الأبنية، فيعلمه بما وهي من أسواره ومبانيه وقصوره ودوره. وكان له دخالة في كل يوم اثني عشر ألف رطل من اللحم، حاشى الصيد والطير والحيتان. وكان يصنع في كل عام اثني عشر ألف ترس عامرية لقصري الزاهرة والزهراء. وابتنى المنصور على