عدوك ولا تخرج أنت! فإنك، أن أصبت، تَلَفَ المغرب وفَسد!) فوجه عمرو إلى أبي قرة مالا كثيرا وكسي كثيرة: على أن ينصرف عنه فقال: (لا حاجة لي بذلك!) فانصرف الرسول بذلك إلى أخيه. فدفع له بعض المال والثياب على أن يعمل في صرف أخيه أبي قرة والصفرية إلى بلادهم. فعمل في ليلته تلك، واجتمع بأهل العسكر فلام يعلم أبي قرة حتى انصرف عنه أكثر أهل العسكر فلم يجد بدا من اتباعهم. فلما انصرف الصفرية وجه عمرو إلى أبي رستم عسكرا، وكان تهودا فانهزم ابن رستم، وقتل من أصحابه نحو ثلاثة ألاف. ووصل منهزما إلى تيهرت.
ورجع عمرو بن حفص إلى القيروان؛ فجعل يدخل إليها كل ما يصلحه من الطعام والمرافق وعدة الحصار. ثم أقبل أبو حاتم في جموعه حتى نزل عليه. وكثرت الفتن ببلاد أفريقية. ويقال أن عدة من حاصر القيروان مائة ألف وثلاثون ألف وكان ابن حفص يخرج إليهم في كل يوم فيحاربهم. فلم يزالوا كذلك ضاق أمرهم، وأكلوا دوابهم وكلابهم وسنانيرهم، وماتوا جوعا وانتهى الملح عندهم أوقية بدرهم. واضطرب علي ابن حفص أمره وساءت خلقه، وبلغ أن يزيد بن حاتم بعث أمير المؤمنين في ستين ألفا لنصرة القيروان. فقال:(لا خير في الحياة بعد أن يقال: يزيد أخرجه من الحصار! إنما هي رقدة وأبعث إلى الحساب!) وخرج، فجعل يطعن ويضرب حتى قتل في النصف من ذي الحجة من سنة ١٥٤. ولم يعط الحال تفصيل هذه السنين من سنة ١٥١ إلى ١٥٣ بعدها سنة: فاجتملت أمرها هنا أجملا مختصرا يغني عن أعادتها في كل واحدة منها.
ولما قتل عمرو بن حفص، بايع الناس أخاه جميل بن حفص بالقيروان. فلما طال عليه الحصار، دعاه الاضطرار إلى مصالحة أبي حاتم، على أن جميلا وأصحابه لا يخلعون سلطانهم، ولا ينزعون سوادهم. فغضب أبو حاتم،