للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذلك وخرج منصور في أول اليل مستخفيا يريد الأربس. فلما أصبح عامر، قفا أثره وأثر من اكن معه، حتى أدركهم. فاقتتل معهم فانهزم منصور ودخل الأربس، فتحصن بها فحاصره عامر فيها. فلما ضاق الحصار بأهلها، قالوا المنصور (إما أن تخرج عنا وإلا دفعناك إلى عامر!) فرغب منهم أن يمهلوه حتى يعمل في الخلاص لنفسه. فأرسل إلى عبد السلام بن الفرج (وكان من وجوه الجند) يسأله الاجتماع به. فأتاه فقال له منصور من أعلى السور: (بهذا كان جزائي منكم يا معشر الجند! وقد علمتم أن قيامي على القوم إنما كان من أجلكم. فإذا كان قد صار الأمر إلى ما صار إليه فأحب أن تسعى في أماني وخلاصي وأخرج عنكم إلى المشرق) فأجابه عبد السلام إلى ما سأل، واستعطف له عامر بن نافع فأسعفه في ذلك. ثم وجهة عامر منصورا مع خيل وأمر مقدمهم سراً أن يعرجوا به إلى مدينة جَربة ويحبسه بها. ففعل ذلك وحبس منصور هنالك. فلكا علم عبد السلام بهذه الغدرة من عامر حقد عليه وكان بباجة مع أصحابه، وكان هاشم أخو عامر واليا عليها، فأخذوه وحبسوه وكتبوا إلى أخيه عامر (أما أن تخلي عن منصور وإلا قتلنا أخاك) فكتب إليهم عامر (إني لست أخلى عن منصور فاصنعوا بهاشم ما شئتم! فستعلمون عاقبة أمركم) فلما جاءهم كتابه، أطلقوا هاشما. وأمر بضرب عنق منصور وأخيه حمدون. واستقامت الأمور لعامر بن نافع.

وفي سنة ٢١٢، أغزى زيادة اله صقلية. واجتمع له سبعون مركبا حمل فيها سبعمائة فرس. وعرض القاضي أسد بن الفرات نفسه على زيادة الله في الخروج للغزو، فولاه على الجيش، وأقره على القضاء مع القيادة، فخرج معه أشراف أفريقية من العرب والجند والبربر والأندلسيين، وأهل العلم والبصائر، وذلك في حفل عظيم وعدة جليلة في ربيع الأول. فساروا إلى حصون الروم ومدنهم فأصابوا سبيا كثيرا وسائمة كثيرة وكثرت الغنائم عند المسلمين. واحتل القاضي أسد بمن معه على مدينة سرقوسة، وحاصرها

<<  <  ج: ص:  >  >>