كاف فى تتميم دليلنا بأن يقال: إذا وجب اطلاع الأكثر امتنع أن لا يطلع عليه من أهل المدينة أحد ويكون ذلك الأكثر غيرهم وما فيه أحد منهم والاحتمالات البعيدة لا تنفى الظهور، وقد استدل بنحو:"المدينة طيبة تنفى خبثها كما ينفى الكير خبث الحديد" والباطل خبث، فينتفى عنها، وهو بعيد لأنه إنما يدل على فضلها لما علم من وجود الباطل كالفسوق والمعاصى فيها ولا دلالة على انتفاء الخطأ عما اتفق عليه أهلها بخصوصه واستدل بتشبيه علمهم بروايتهم فإنها تقدَّم على رواية غيرهم اتفاقًا، فكذا عملهم وعقيدتهم ورأيهم يقدم على ما لغيرهم.
الجواب: أنه تمثيل خال عن الجامع فلا يصلح دليلًا وإن سلم فالفرق ظاهر وهو أن الرواية تترجح بكثرة الرواة اتفاقًا، والاجتهاد لا يترجح بكثرة المجتهدين.
قوله:(تنبيه على أنه لا خصوصية) إشارة إلى دفع اعتراض الشارحين بأنه لا مدخل للبقعة فى النظر والاستدلال يعنى ليس ذلك لخصوصية المكان بل لأنه قد اتفق فيه إجماع المحصورين الأحقين، وقوله: أراد به انحصارهم، دفع لما ذكره العلامة من أنه إنما قال ذلك لئلا يرد عليه ما ورد على إجماع مجتهدى الأمة من أنهم منتشرون شرقًا وغربًا فلا يتصور إجماعهم ثم قال: والظاهر أنه لا حاجة إلى ذلك لأن الكلام مع مثبتى الإجماع دون منكريه وكأنه إنما تعرض له لينتهض دليلًا على كل مسلم.
قوله:(والأكثر كاف) تقرير الجواب على ما فى الشروح أن العادة تقضى باطلاع الأكثر عددًا وصحبة على المتمسك الراجح والأكثر كاف فى كون قولهم حجة وإن لم يكن إجماعًا قطعيًا على ما مر فى مسألة ندرة المخالف واعترض بأن كونهم أكثر عددًا ممنوع، وأكثر صحبة لم يتقدم ذكره فأجيب بأن المراد كونهما أكثر صحبة كاف كما أن كون أهل الإجماع أكثر عددًا كاف أو المراد أن الأكثر كاف فيما تقدَّم أى فى الاطلاع على الراجح، ولما كان هذا فى غاية الضعف مع شئ آخر وهو أن مقابل الأكثر هو الأقل وذلك لا يستلزم الندرة تكلف الشارح المحقق غاية التكلف وجعل قوله فيما بعد إشارة إلى تتميم الدليل، ولما ورد عليه منع لما ذكره بناء على احتمال أن يكون الأكثر المطلع على الراجح غيرهم ليس فيهم منهم أحد دفعه بأن الاحتمالات البعيدة لا تنفى الظهور.