للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال: (مسألتان على التنزل: الأولى: شكر المنعم ليس بواجب عقلًا لأنه لو وجب لوجب لفائدة وإلا كان عبثًا وهو قبيح ولا فائدة للَّه تعالى لتعاليه عنها ولا للعبد فى الدنيا لأنه مشقة ولا حظ للنفس فيه ولا فى الآخرة إذ لا مجال للعقل فى ذلك، قولهم: الفائدة الأمن من احتمال العقاب فى الترك وذلك لازم الخطور مردود بمنع الخطور فى الأكثر ولو سلم فمعارض باحتمال العقاب على الشكر لأنه تصرف فى ملك الغير أو لأنه كالاستهزاء كمن شكر ملكًا على لقمة بل اللقمة بالنسبة إلى الملك أكثر).

أقول: إذا بطل حكم العقل فلا يجب شكر عقلًا ولا يكون قبل الشرع حكم لكن أصحابنا نزلوا عن ذلك الأصل.

وبتقدير تسليم حكم العقل أبطلوا هاتين المسألتين فاقتدى بهم المسألة الأولى شكر المنعم ليس بواجب عقلًا فلا إثم فى تركه على من لم تبلغه دعوة النبوة خلافًا للمعتزلة، لنا لو وجب لوجب لفائدة واللازم باطل، أما الأولى فلأنه لولا الفائدة لكان عبثًا وهو قبيح فلا يجب عقلًا أو كان إيجابه عبثًا وهو قبيح فلا يجوز على اللَّه، وأما الثانية فلأن الفائدة إما للَّه وإما للعبد، والثانى إما فى الدنيا وإما فى الآخرة، والثلاث منتفية، إما للَّه فلتعاليه عن الفائدة وإما للعبد فى الدنيا فلأن منه فعل الواجبات وترك المحرمات العقلية وأنه مشقة وتعب ناجز ولا حظ للنفس فيه وما هو كذلك لا يكون له فائدة دنيوية وأما للعبد فى الآخرة فلأن أمور الآخرة من الغيب الذى لا مجال للعقل فيه والذى ذهب إليه المعتزلة من هذه الأقسام وانفصلوا به عن هذا الإلزام هو أن الفائدة للعبد فى الدنيا وهو الأمن من احتمال العقاب لتركه وذلك الاحتمال لازم الخطور على بال كل عاقل فإنه إذا نشأ ورأى ما عليه من النعم الجسام التى لا تحصى حينًا فحينًا علم أنه لا يمتنع كون المنعم بها قد ألزمه الشكر فلو لم يشكره لعاقبه وقولهم هذا مردود لأنا نمنع لزوم خطوره بل معلوم عدمه فى أكثر الناس ولو سلم فخوف العقاب على الترك معارض بخوف العقاب على الشكر إما لأنه تصرف فى ملك الغير بدون إذن المالك فإن ما يتصرف فيه العبد من نفسه وغيرها ملك للَّه تعالى وإما لأنه كالاستهزاء وما مثله إلا كمثل فقير حضر مائدة ملك عظيم يملك البلاد شرقًا وغربًا ويعم العباد وهبًا ونهبًا فتصدق عليه بلقمة خبز فطفق يذكرها فى المجامع ويشكره عليها بتحريك أنملته

<<  <  ج: ص:  >  >>