قال:(والعلم قيل لا يحد فقال الإمام: لعسره، وقيل: لأنه ضرورى من وجهين أحدهما أن غير العلم لا يعلم إلا بالعلم فلو علم العلم بغيره كان دورًا، وأجيب بأن توقف تصور غير العلم على حصول العلم بغيره لا على تصوره فلا دور، وثانيهما أن كل أحد يعلم وجوده ضرورة وأجيب بأنه لا يلزم من حصول أمر تصوّره أو تقدّم تصوّره).
أقول: قد اختلفوا فى تحديد العلم فقيل لا يحد وقيل يحد؛ أما القائلون بأنه لا يحد فافترقوا فرقتين فقال الإمام والغزالى: ذلك لعسر تحديده. وإنما يعرف بالقسمة أو المثال واستبعد لأنهما إن أفادا تميزًا فيعرّف بهما وإلا فلا يعرف بهما وليس ببعيد إذ الشئ قد يعلم بتقسيم يخرجه فيجعل له اسم ويتميز عن غيره فى مثال جزئى ولا يعرف له لازم بين الثبوت لأفراده بين الانتفاء عن جميع ما عداها. ولا يصلح للتعريف لازم إلا إذا كان كذلك والعلم من هذا القبيل فإنا نعرفه باعتبار الجزم والمطابقة والموجب ونعلم أن اعتقادنا بأن الواحد نصف الاثنين كذلك ولكن لا نعلم المطابق وغيره بضابط ضرورة وإلا لم يحصل الجهل لأحد وقيل لأنه ضرورى لوجهين:
الأول: أن غير العلم لا يعلم إلا بالعلم فلو علم العلم بغيره لزم الدور لكنه معلوم فيكون لا بالغير وهو الضرورى.
والجواب: بعد تسليم كونه معلومًا أن توقف تصور غير العلم إنما هو على حصول العلم بغيره أعنى علمًا جزئيًا متعلقًا بذلك الغير لا على تصور حقيقة العلم والذى يراد حصوله بالغير إنما هو تصوّر حقيقة العلم لا حصول جزئى منه فلا دور للاختلاف.
والثانى: أن علم كل أحد بأنه موجود ضرورى أى معلوم بالضرورة وهذا علم خاص وهو مسبوق بالعلم المطلق والسابق على الضرورى ضرورى فالعلم المطلق ضرورى.
والجواب: أن الضرورى حصول العلم له وهو غير تصوّر العلم الذى هو المتنازع فيه وذلك أنه لا يلزم من حصول أمر تصوّره حتى يتبع تصوّره حصوله ولا تقدم تصوّره حتى يكون تصوّره شرطًا لحصوله وإذا كان كذلك جاز الانفكاك مطلقًا، فيتغايران فلا يلزم من كون أحدهما ضروريًا كون الآخر كذلك وسيجئ فى الخبر ما إذا عطفته إلى هذا الموضوع ينفعك.