قال:(والعلم ضربان علم بمفرد ويسمى تصوّرًا ومعرفة وعلم بنسبة ويسمى تصديقًا وعلمًا).
أقول: إذا تصورنا نسبة أمر إلى آخر إثباتًا أو نفيًا وشككنا فيه فقد علمنا ذينك الأمرين والنسبة ضربًا ما من العلم لأنا لا نشك فيما لا نعلمه أصلًا ثم إذا زال الشك وحكمنا به فقد علمنا النسبة ضربًا آخر من العلم وهذا الضرب متميز عن الأول بحقيقته وبلازمه المشهور وهو احتمال الصدق والكذب فقد تقرر أن العلم ضربان: ضرب يتعلق بالمفرد ويسميه بعضهم تصورًا وبعضهم معرفة، وضرب لا يتعلق إلا بالنسبة. أى بحصولها ويسميه بعضهم تصديقًا وبعضهم علمًا فيخص هذا الضرب بالعلم بالاشتراك أو بالغلبة وقوله: ضربان؛ إشارة إلى أنهما نوعان متمايزان نوع قد يتعلق بالمفرد كما يتعلق بالنسبة ونوع لا يتعلق إلا بالنسبة فلا يرد تصور النسبة عليه.
قوله:(إذا تصورنا) إشارة إلى أن الشك من قبيل التصورات دون التصديقات وأن ليس العلم التصورى والتصديقى حقيقة واحدة تختلف باختلاف الإضافة كما فى تصور الإنسان والفرس، وكما فى التصديق بأن العالم حادث والصانع قديم بل حقيقة التصديق الإذعان والقبول وبالجملة المعنى الذى يعبر عنه بالفارسية بكرديدن على ما صرح به ابن سينا، وفي العرف بالحكم وحقيقة التصور الإدراك والوصول الخالى عن هذا المعنى سواء تعلق بمفرد كتصور الإنسان أو نسبة كتصور الكاتب للإنسان أو نفيه عنه من غير إذعان وقبول، والمراد بقبوله وعلمه بنسبته العلم بحصول النسبة بمعنى الإذعان والقبول فلا يدخل فيه تصور النسبة على ما توهمه الشارحون ثم هذا الكلام صريح فى أن التصديق هو العلم بحصول النسبة ووقوعها ولا يفهم من الحكم سوى هذا العلم فإنه الذى يحصل بعد إقامة البرهان وزوال الشك فعلى هذا طريق القسمة أن العلم إن كان حكمًا أى علمًا بحصول النسبة التامة فتصديق وإلا فتصور على ما هو رأى المحققين، وما ذكر فى المواقف من أن العلم إن خلا عن الحكم فتصور وإلا فتصديق ناظر إلى رأى الإمام، وأما ما يتوهم من ظاهر عبارة الكشف أن التصديق هو العلم المقارن للحكم على أن الحكم خارج عنه فمما لا ينبغى أن يلتفت إليه المحصلون.