قال:(فإن كان طلبًا لفعل غير كف ينتهض تركه فى جميع وقته سببًا للعقاب فوجوب وإن انتهض فعله خاصة للثواب فندب وإن كان طلبًا للكف عن فعل ينتهض فعله سببًا للعقاب فتحريم ومن يسقط غير كف فى الوجوب يقول طلبًا لنفى فعل فى التحريم وإن انتهض الكف خاصة للثواب فكراهة وإن كان تخييرًا فإباحة وإلا فوضعى وفى تسمية الكلام فى الأزل خطابًا خلاف).
أقول: هذا أول تقسيم للحكم والحكم إما طلب أو غير طلب أما الطلب فإنما يكون لفعل لأنه المقدور دون عدم الفعل وسيأتى والفعل إما كف وإما غير كف وعلى التقديرين لا بد أن ينتهض الإتيان به سببًا للثواب لأنه طاعة وأما تركه فى جميع وقته فقد ينتهض سببًا للعقاب وقد لا ينتهض فهذه أربعة أقسام فإن كان طلبًا لفعل غير كف ينتهض تركه فى جميع وقته سببًا للعقاب فوجوب وإن انتهض فعله خاصة سببًا للثواب فندب وإن كان طلبًا للكف عن فعل ينتهض ذلك الفعل سببًا للعقاب فتحريم وإن انتهض الكف خاصة سببا للثواب فكراهة وأما غير الطلب فإن كان تخييرًا بين الفعل والكف عنه فإباحة وإلا فوضعى وههنا نكتة وهى: أن الحكم كما علمت نفس خطاب اللَّه تعالى فالإيجاب هو نفس قوله: افعل وليس للفعل منه صفة حقيقية فإن القول ليس لمتعلقه منه صفة لتعلقه بالمعدوم وهو إذا نسب إلى الحاكم سمى إيجابًا وإذا نسب إلى ما فيه الحكم وهو الفعل سمى وجوبًا وهما متحدان بالذات مختلفان بالاعتبار فلذلك تراهم يجعلون أقسام الحكم الوجوب والحرمة مرة والإيجاب والتحريم أخرى وتارة الوجوب والتحريم كما فعله المصنف.
وقد نبه المصنف على فائدتين:
إحداهما: أن ما ذكرنا بناء على أن الطلب دائمًا لفعل فنفى النهى الكف وفى غيره غيره وأما من يرى أن الترك نفى الفعل وهو أن لا يفعل فيطرح فى الوجوب قوله: غير كف لأنه كان لإخراج التحريم معتقدًا أنه طلب فعل لكنه كف ويقول فى التحريم إن كان طلبًا لنفى فعل.
الثانية: أن الواجب إذا كان وقته موسعًا فستعلم أنه لا ينتهض تركه سببًا للعقاب إلا إذا تركه فى جميع الوقت، فنبه عليه بقوله: فى جميع وقته لئلا يتوهم أنه قد يترك ولا عقاب فلا يكون سببًا له على أنه لو لم يذكره لم يخل لأن انتهاض تركه