للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال: (ولا يحصل الحد بالبرهان لأنه وسط يستلزم حكمًا على المحكوم عليه فلو قدّر فى الحد لكان مستلزمًا لعين المحكوم عليه ولأن الدليل يستلزم تعقل ما يستدل عليه فلو دل عليه لزم الدور فإن قيل: فمثله فى التصديق قلنا: دليل التصديق على حصول ثبوت النسبة أو نفيها لا على تعقلها ومن ثمة لم يمنع الحد ولكن يعارض ويبطل بخلله أما إذا قيل: الإنسان حيوان ناطق وقصد مدلوله لغة أو شرعًا فدليله النقل بخلاف تعريف الماهية).

أقول: الحد لا يكتسب بالبرهان لوجهين:

أحدهما: أن البرهان عبارة عن وسط يستلزم حصول أمر فى المحكوم عليه فلو قدر فى الحد وسط لكان مستلزمًا لعين المحكوم عليه لأن الحد ليس أمرًا غير حقيقة الحدود تفصيلًا وفيه تحصيل الحاصل.

وثانيهما: أنه لا بد فى الدليل من تعقل المفرد لوجوب تعقل حقيقة ما يستدل عليه من جهة ما يستدل عليه قبل إقامة الدليل فلو حصل تعقل حقيقته بالدليل لتأخر عنه فيلزم الدور.

فإن قيل فيجئ ممثله فى التصديق، قلنا: لا نسلم فإن المطلوب ليس تعقل النسبة بل إثباتها أو نفيها والموقوف عليه تعقلها لا هما بخلاف الحد فإن المطلوب تعقله لا ثبوته ومن جهة أن الحد لا يحصل بالبرهان لم يمنع إذ مرجع المنع طلب البرهان عليه ولا يمكن لكنه يعترض عليه إما بالمعارضة وإما ببيان خلل فيه مما تقدم من عدم طرد أو عكس أو غيره فإذا قال العلم تمييز لا يحتمل النقيض يقال له ألم تقل: إنه صفة توجب التمييز إذ التمييز لا يصلح جنسًا له ويبين بوجهه.

واعلم أنه لا يعارض إلا بحد يعترف هو به إذ لا تعارض بين التصورات فإن أحدهما لا يمنع الآخر هذا كله إذا قصد إفادة الماهية فقط وأما إذا قيل الإنسان حيوان ناطق وأريد به أن ذلك مفهومه شرعًا أو لغة خرج عن كونه حدًا وصار حكمًا يمنع ويطلب عليه الدليل ودليله النقل عن أهله لغة أو شرعًا.

قوله: (ولا يحصل الحد بالبرهان) معنى هذا الكلام على ما ذهب إليه جمهور الشارحين هو أن ثبوت الحد للمحدود لا يكتسب بالبرهان أما أولًا: فلأن الحد هو حقيقة الحدود وأجزاؤه على التفصيل، وثبوت الشئ لنفسه أو ثبوت أجزائه له لا

<<  <  ج: ص:  >  >>