قال:(مسألة اختيار الإمام والغزالى رحمهما اللَّه أن الأمر بشئ معين ليس نهيًا عن ضده ولا يقتضيه عقلًا، وقال القاضى ومتابعوه نهى عن ضده ثم قال يتضمنه ثم اقتصر قوم وقال القاضى والنهى كذلك فيهما ثم منهم من خص الوجوب دون الندب، لنا لو كان الأمر نهيًا عن الضد أو يتضمنه لم يحصل بدون تعقل الضد والكف عنه لأنه مطلوب النهى ونحن نقطع بالطلب مع الذهول عنهما، واعترض بأن المراد ضد العام وتعقله حاصل لأنه لو كان عليه لم يطلبه، وأجيب بأن طلبه فى المستقبل ولو سلم فالكف واضح).
أقول: قد اختلف فى الأمر بالشئ هل هو نهى عن الضد وليس الكلام فى هذين المفهومين لتغايرهما لاختلاف الإضافة قطعًا ولا فى اللفظ إنما النزاع فى أن الشئ المعين إذا أمر به فهل ذلك الأمر نهى عن الشئ المعين المضاد له أو لا فإذا قال تحرك فهل هو فى المعنى بمثابة أن يقول لا تسكن فاختيار الإمام والغزالى أنه ليس نفس النهى عن ضده ولا يتضمنه عقلًا أيضًا وهو المختار.
وقال القاضى ومتابعوه: أولًا أنه نفس النهى عن ضده، وقالوا آخرًا: إنه يتضمنه، ثم اقتصر قوم على هذا، وزاد القاضى ومتابعوه عليه فقالوا والنهى كذلك فى الوجهين، فقالوا: أولًا النهى عن الشئ نفس الأمر بضده وآخرًا أنه يتضمنه، ثم القائلون بأن الأمر بالشئ نهى عن الضد على الوجهين، منهم من عمم القول فى أمر الوجوب والندب فجعلهما نهيًا عن الضد تحريمًا وتنزيهًا، ومنهم من خص أمر الوجوب فجعله نهيًا عن الضد تحريمًا دون الندب، لنا لو كان الأمر بالشئ نهيًا عن ضده أو متضمنًا له لم يحصل بدون تعقل الضد والكف عنه واللازم منتف، أما الملازمة فلأن الكف عن الضد هو مطلوب النهى ويمتنع أن يكون المتكلم طالبًا لأمر لا يشعر به فيكون الكف عن الضد متعقلًا له وما ذلك إلا بتعقل مفرديه وهما الضد والكف عنه وأما انتفاء اللازم فلأنا نقطع بطلب حصول الفعل مع الذهول عن الضد والكف عنه واعترض عليه بأن المراد بالضد ههنا هو الضد العام لا الأضداد الجزئية، والذى يذهل عنه هو الأضداد الجزئية، وأما الضد العام فتعقله حاصل لأن الأمور لو كان على الفعل وملتبسًا به لم يطلبه الآمر منه لأنه طلب الحاصل فإذًا إنما يطلبه إذا علم أنه ملتبس بضده لا به وأنه يستلزم تعقل ضده.