قال:(مسألة: المندوب مأمور به خلافًا للكرخى والرازى، لنا أنه طاعة، وأنهم قسموا الأمر إلى إيجاب وندب، قالوا: لو كان لكان تركه معصية لأنها مخالفة الأمر ولما صح لأمرتهم بالسواك. قلنا: المعنى أمر الإيجاب فيهما).
أقول: هاتان مسألتان تتعلقان بالندب أولاهما أن المندوب هل هو مأمور به؟ المحققون على أنه مأمور به خلافًا للكرخى وأبى بكر الرازى، لنا أنه طاعة إجماعًا، والطاعة فعل المأمور به، ولنا أيضًا اتفاق أهل اللغة أن الأمر ينقسم إلى أمر إيجاب وأمر ندب ومورد القسمة مشترك.
قالوا: لو كان المندوب مأمورًا به لكان تركه معصية إذ لا معنى للمعصية إلا مخالفة الأمر وترك المأمور به يحققها، وأيضًا لو كان مأمورًا به لما صح قوله عليه الصلاة والسلام:"لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك" لأنه ندبهم إليه ولأن الوجوب هو الذى يتضمن المشقة دون الندب.
الجواب: المعصية مخالفة أمر الإيجاب وقوله: "لأمرتهم" أى أمر إيجاب، كلاهما على سبيل المجاز، وأنه وإن كان خلاف الأصل، وجب المصير إليه بالدليل الذى ذكرنا.
قوله:(المندوب مأمور به) لا نزاع فى أنه تتعلق به صيغة الأمر حقيقة كانت أو مجازًا وإنما النزاع فى أنه هل يطلق عليه اسم المأمور به حقيقة ولا خفاء فى أنه مبنى على أن أمر حقيقة للإيجاب أو للقدر المشترك بينه وبين الندب فلا ينبغى أن يجعل هذا مسألة برأسها ثم الاستدلال الأول إنما يتم على رأى من يجعل أمر للطلب الجازم أو الراجح وأما من يخصه بالجازم فكيف يسلم أن كل طاعة فعل المأمور به بل الطاعة عنده فعل المأمور به أو المندوب إليه أعنى ما تتعلق به صيغة افعل للإيجاب أو الندب، والثانى إنما يتم لو كان مراد أهل اللغة أن ما يطلق عليه لفظ أمر حقيقة ينقسم إلى ما يكون للإيجاب أو للندب وليس كذلك بل مرادهم تقسيم الصيغة التى تسمى أمرًا عند النحاة فى أى معنى كان بدليل أنهم يقسمون