قال:(الأحكام لا يحكم العقل بأن الفعل حسن أو قبيح فى حكم اللَّه تعالى ويطلق لثلاثة أمور إضافية لموافقة الغرض ومخالفته ولا أمرنا بالثناء عليه والذم ولما لا حرج فيه ومقابله وفعل اللَّه تعالى حسن بالاعتبارين الأخيرين، وقالت المعتزلة والكرامية والبراهمة: الأفعال حسنة وقبيحة لذاتها، فالقدماء من غير صفة، وقوم بصفة، وقوم بصفة فى القبيح، والجبائية بوجوه واعتبارات، لنا لو كان ذاتيًا لما اختلف وقد وجب الكذب إذا كان فيه عصمة نبى والقتل والضرب وغيرهما، وأيضًا لو كان ذاتيًا لاجتمع نقيضان فى صدق من قال لأكذبن غدًا وكذبه).
أقول: قد استوفى مبادئ هذا العلم من اللغات وها هى مبادئه من الأحكام والكلام فى الحاكم ونفس الحكم والمحكوم فيه والمحكوم عليه.
أما الحاكم فهو عندنا الشرع دون العقل ولا نعنى به أن العقل لا حكم له فى شئ أصلًا بل إنه لا يحكم بأن الفعل حسن أو قبيح فى حكم اللَّه تعالى، وأن الحسن والقبح إنما يطلق لثلاثة أمور إضافية لا ذاتية:
الأول: لموافقة الغرض ومخالفته وليس ذاتيًا لاختلافه باختلاف الأغراض.
الثانى: ما أمر الشارع بالثناء على فاعله أو بالذم له وليس ذاتيًا إذ يختلف بالأحوال والأزمان.
الثالث: ما لا حرج فى فعله وما فيه حرج وليس ذاتيًا لما ذكرناه آنفًا.
والمباح وفعل غير المكلف حسن بهذا التفسير وبالتفسير الثانى ليس حسنًا ولا قبيحًا وفعل اللَّه تعالى بالاعتبار الأول لا يوصف بحسن ولا قبح لتنزهه عن الغرض وهو بالاعتبارين الأخيرين حسن أما بالثالث فمطلقًا وأما بالثانى فبعد ورود الشرع لا قبله سواء فيه فعله قبل الشرع وبعده. وقالت المعتزلة والكرامية والبراهمة: الأفعال حسنة وقبيحة لذواتها فمنها ما هو ضرورى كحسن الصدق النافع وقبح الكذب المضر ومنها ما هو نظرى كحسن الصدق المضر وقبح الكذب النافع ومنها ما لا يدرك إلا بالشرع كالعبادات فإن حسن صوم آخر رمضان وقبح صوم أول شوال مما لا سبيل للعقل إليه لكن الشرع إذا ورد به كشف عن حسن وقبح ذاتيين.
ثم اختلفوا فقال القدماء: يحصل الحسن والقبح للفعل من غير صفة توجبه بل بذاته، وقال قوم: يحصل بصفة توجبه فيهما، وقال قوم: يحصل بصفة توجبه فى القبيح فقط والحسن يكفى فيه عدم موجب القبح، وقال الجبائية: يحصل بصفة