قال:(الحكم قيل خطاب اللَّه تعالى المتعلق بأفعال المكلفين فورد مثل {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ}[الصافات: ٩٦]، فزيد بالاقتضاء أو التخيير فورد كون الشئ دليلًا وسببًا وشرطًا فزيد أو الوضع فاستقام وقيل بل هو راجع إلى الاقتضاء أو التخيير وقيل ليس بحكم).
أقول: قد بين الحاكم وأنه هو الشرع فشرع فى أبحاث الحكم وقد لزم مما بين أن الحكم إنما هو الحكم الشرعى فأخذ يتكلم فى حده وأقسامه ومسائل تتعلق بأقسامه فهذا حده قيل هو خطاب اللَّه تعالى المتعلق بأفعال المكلفين فالخطاب توجيه الكلام نحو الغير للإفهام وبإضافته إلى اللَّه خرج خطاب من سواه إذ لا حكم إلا حكمه والرسول والسيد إنما وجب طاعتهما بإيجاب اللَّه إياها وقوله المتعلق بأفعال المكلفين خرج ما ليس كذلك ولو قال بفعل المكلف لكان أحسن ليتناول ما لا يعم من أحكامه كخواص النبى، هكذا قيل فورد عليه مثل قوله تعالى:{وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ}[الصافات: ٩٦]، فإنه داخل فى الحد وليس بحكم فبطل طرده فزيد عليه قيد يخصصه ويخرج عنه ما دخل فيه من غير إفراد المحدود، وهو قولهم بالاقتضاء أو التخيير فقالوا: المتعلق بأفعال المكلفين بالاقتضاء أو التخيير ليندفع النقض فإن قوله: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} ليس فيه اقتضاء ولا تخيير وإنما هو إخبار بحال له، فورد عليه كون الشئ دليلًا وسببًا وشرطًا من أحكام لا اقتضاء فيها ولا تخيير فإنها تخرج من الحد مع أنها إفراد المحدود فبطل عكسه فزيد عليه ما يعممه فيدخل فيه ما خرج عنه من أفراد المحدود وهو قولهم: أو الوضع فقالوا: بالاقتضاء أو التخيير أو الوضع فإن الأحكام التى ورد بها النقض كلها من وضع الشارع وتحصل بجعله وعند ذلك استقام الحد لاطراده وانعكاسه ومنهم من لم يزد هذا القيد وادعى أن هذه الأحكام لا ترد نقضًا فتارة يمنع خروجها عن الحد وتارة يمنع كونها من المحدود.
أما الأول فقيل: إنها لا تخرج بل خطاب الوضع يرجع إلى الاقتضاء أو التخيير إذ معنى جعل الشئ دليلًا اقتضاء العمل به وجعل الزنا سببًا لوجوب الجلد هو وجوب الجلد عند الزنا وجعل الطهارة شرطًا لصحة البيع جواز الانتفاع بالمبيع عندها وحرمته دونها وعليه فقس والحاصل أن مرادنا من الاقتضاء والتخيير أعم من الصريح والضمنى وخطاب الوضع من قبيل الضمنى.