قال:(مسألة: إجماع أهل المدينة من الصحابة والتابعين حجة عند مالك وقيل محمول على أن روايتهم متقدمة وقيل على المنقولات المستمرة، كالأذان والإقامة والصحيح التعميم. لنا أن العادة تقضى بأن مثل هذا الجمع المنحصر من العلماء الأحقين بالاجتهاد لا يجمعون إلا عن راجح، فإن قيل يجوز أن يكون متمسك غيرهم أرجح، ولم يطلع عليه بعضهم، قلنا العادة تقضى باطلاع الأكثر، والأكثر كاف فيما تقدم، واستدل بنحو: إن المدينة طيبة تنفى خبثها كما ينفى الكير خبث الحديد، وهو بعيد وبتشبيه علمهم بروايتهم ورد بأنه تمثيل لا دليل مع أن الرواية ترجح بالكثرة بخلاف الاجتهاد).
أقول: قد اشتهر أن إجماع أهل المدينة وحدها من الصحابة والتابعين حجة عند مالك رحمه اللَّه فقيل قوله ذلك محمول على أن روايتهم متقدمة على رواية غيرهم، وقيل محمول على حجية إجماعهم فى المنقولات المستمرة كالأذان والإقامة والصاع والمد دون غيرها، والصحيح عند المصنِّف هو التعميم أى القول بكونه حجة مطلقًا والأكثر على أنه ليس بحجة لنا أن العادة قاضية بعدم إجماع هذا الجمع الكثير من العلماء المحصورين الأحقين بالاجتهاد إلا عن راجح فقوله: مثل هذا الجمع تنبيه على أنه لا خصوصية للمدينة فيستبعد كون المكان له مدخل وإنما اتفق فيها ذلك، ولو اتفق مثله فى غيرها لكان كذلك قوله: المنحصر أراد به انحصارهم فى المدينة واجتماعهم فيها وقلة غيبتهم عنها حتى لو اتفق عدتهم أو أكثر متفرقين فى البلاد أو مختلطين بمن خالفهم أو غائبين عن بلدتهم لم يعتبر ولم تقض العادة باطلاعهم على الراجح فلعل دليل المخالف راجح وهؤلاء مجمعون يتشاورون ويتناظرون ويتفقون فيبعد أن لا يطلع أحد منهم على دليل المخالف مع رجحانه.
قوله: الأحقين بالاجتهاد احتراز عن منحصرين فى موضع آخر لا يكون مهبطًا للوحى، وأهله غير واقفين على وجوه الأدلة من قول الرسول وفعله وفعل أصحابه فى زمانه ووجوه الترجيح فإنه لا يشك فى أن أهل المدينة كانوا أعرف بذلك، فإن قيل: لا نسلم أن العادة قاضية فى اتفاق مثلهم عن راجح لأنهم بعض الأمة فيجوز أن يكون متمسك غيرهم أرجح فرب راجح لم يطلع عليه البعض.
قلنا: لا نقول العادة قاضية باطلاع الكل فيرد ذلك بل باطلاع الأكثر، والأكثر