قال:(مسألة: النهى عن الشئ لعينه يدل على الفساد شرعًا لا لغة وقيل لغة وثالثها فى الإجزاء لا السببية لنا أن فساده سلب أحكامه وليس فى اللفظ ما يدل عليه لغةً قطعًا، وأما كونه يدل شرعًا فلأن العلماء لم يزل يستدلون على الفساد بالنهى فى الربويات والأنكحة وغيرها وأيضًا لو لم يفسد لزم من نفيه حكمة للنهى ومن ثبوته حكمة للصحة واللازم باطل لأنهما فى التساوى ومرجوحية النهى يمتنع النهى لخلوه عن الحكمة وفى رجحان النهى تمتنع الصحة لذلك).
أقول: النهى عن الشئ قد يكون لعينه وقد يكون لصفته وكلامنا الآن فى المنهى عنه لعينه وأنه يدل على فساد المنهى عنه شرعًا لا لغةً، وقيل يدل عليه لغة وقيل يدل على الفساد إذا استعمل فى مقابلة الإجزاء وهو موافقة العبادة للأمر أو إسقاطها للقضاء لا إذا استعمل فى مقابلة السببية وهو استتباع المعاملة أثرها وذلك أن الصحة وهى مقابلة تستعمل فى الأمرين لنا إما أنه لا يدل على الفساد لغة فلأن فساد الشئ عبارة عن سلب أحكامه وليس فى لفظ النهى ما يدل عليه لغة قطعًا ولو قال: لا تبع هذا فإنك لو فعلت لعاقبتك ولكن يترتب عليه أحكامه لم يكن ظاهرًا فى التناقض وإما أنه تدل على الفساد شرعًا فلأن علماء الأمصار فى الأعصار لم يزالوا يستدلون على الفساد بالنهى فى أبواب الربا والأنكحة والبيوع وغيرها وأيضًا لو لم يفسد لزم من نفيه حكمة يدل عليها النهى ومن ثبوته حكمة يدل عليها الصحة واللازم باطل لأن الحكمتين إن كانتا متساويتين تعارضتا وتساقطتا وكان فعله كـ "لا فعل" فامتنع النهى عنه لخلوه عن الحكمة وإن كانت حكمة النهى مرجوحة فأولى لفوات الزائد من مصلحة الصحة وهى مصلحة خالصة وإن كانت راجحة امتنع الصحة لخلوه عن المصلحة أيضًا بل لفوات قدر الرجحان من مصلحة النهى وأنها مصلحة خالصة.
قوله:(وأنه يدل على فساد المنهى عنه شرعًا) ظاهر الكلام أن هذا أوّل المذاهب وثانيها أنه يدل عليه لغة وثالثها أنه يدل عليه فى العبادات دون المعاملات، وليس كذلك بل أول الذاهب أنه يدل على الفاسد فى الجملة وثانيها أنه لا يدل عليه أصلًا، وثالثها: التفصيل، ثم اختلف أصحاب المذهب الأول فى أن دلالته على الفساد من جهة الشرع أو من جهة اللغة، واختلف أصحاب المذهب الثانى فى أنه