للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تمر الليالى ليس للنفع موضع ... لدى ولا للمعتفين ثواب

لما أنا فى زمان ليس فيه إلا ما يدهش العقول والألباب ويسلب المعقول إن أصاب، ترى العلم أعلام معاليه مشرفة على الانتكاس وآثار معانيه مؤذنة بالاندراس، والجهل رايات دولته خافقة العذبات وآيات نصرته واضحة البينات:

ولو أنى أعد ذنوب دهرى ... لضاع القطر فيها والرمال

وقد صار تعللى هذا مظنة للضنة ومئنة للمنة، استخرت اللَّه وأخذت فى ضبط ما أحطت به من الفوائد ونظم ما جمحته من الفرائد وجل مرمى غرضى كشف الغطاء عما تحت عباراته من لطائف الاعتبارات وخفيات الإشارات، إلى حل الشكوك والشبهات والإيماء إلى ما على الشروح من الاعتراضات طاويًا كشح المقال عن الإطناب بتكثير السؤال والجواب وتحرير مقاصد الفصول والأبواب ونقل مباحث لا تتعلق بالكتاب، واللَّه سبحانه ولى المعونة والتوفيق ومنه الهداية إلى سواء الطريق وهو حسبى ونعم الوكيل.

(بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ)

قوله: (الحمد للَّه) أردف التسمية بالتحميد فى مفتتح الكلام اقتفاء لما ورد فى الأخبار واقتداء بطريق الأخيار وأداء لبعض حقوق ما استقر فيه من ضروب الإحسان التى من جملتها التوفيق لمثل هذا التصنيف العظيم الشأن منبهًا للمتعلمين على انتهاج مناهج سننه واتباع مدارج سننه، وقد دل بـ "لامى التعريف والتخصيص على اختصاص الجنس المستلزم لاختصاص المحامد كلها تحقيقًا على قاعدة أهل الحق واختار اسم الذات المنبئ عن صفات الكمال ونعته بما يتفرع عليها من الأفعال إيماء إلى استحقاقه من جميع هذه الجهات غاية التعظيم ونهاية الإجلال، وساق الكلام مساقًا رشيقًا وأولاه لطفًا ونظمًا أنيقًا، فأشار أولًا بقوله: برأ الأنام إلى إفاضة الوجود على نوع الإنسان الذى هو أصل لسائر أصناف الأنعام، وثانيًا بقوله: وعمهم بالإكرام إلى الكمالات المتفرعة على وجودهم المشركة فيما بينهم كالعقل وتوابعه الميزة إياهم عما عداهم وقد لاحظ فيه قوله تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ} [الإسراء: ٧٠]، وثالثًا بما اقتبسه من معنى قوله تعالى: {وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ} [يونس: ٢٥]، إلى ما يتفرع على الكرامة الدنيوية

<<  <  ج: ص:  >  >>