للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال: (مسألة: يجوز نسخ القرآن بالقرآن كالعدتين والمتواتر بالمتواتر والآحاد بالآحاد، والآحاد بالمتواتر، وأما نسخ المتواتر بالآحاد فنفاه الأكثرون بخلاف تخصيص العام كما تقدم، لنا قاطع فلا يقابله المظنون، قالوا: وقع فإن أهل قباء سمعوا مناديه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (ألا إن القبلة قد حولت) فاستداروا، ولم ينكر عليهم. أجيب: علموا بالقرائن لما ذكرناه، قالوا: كان يرسل الآحاد بتبليغ الأحكام مبتدأة وناسخة، وأجيب إلا أن يكون مما ذكرناه فيعلم بالقرائن لما ذكرناه، قالوا: {قُلْ لَا أَجِدُ. . .} [الأنعام: ١٤٥]، نسخ بنهيه عن أكل كل ذى ناب من السباع فالخبر أجدر، أجيب إما بمنعه وإما بأن المعنى لا أجد الآن وتحريم حلال الأصل ليس بنسخ).

أقول: القائلون بالنسخ اتفقوا على جواز نسخ القرآن بالقرآن كالعدتين وهما الاعتداد بالحول وبأربعة أشهر وعشر، وكذا نسخ الخبر المتواتر بالخبر المتواتر والآحاد بالآحاد، وذلك كما نهى عليه السلام عن ادخار لحوم الأضاحى، ثم قال: "كنت نهيتكم عن ادخار لحوم الأضاحى، ألا فادخروها"، وكذا نسخ الآحاد بالمتواتر، بل هو أجدر، إنما الخلاف فى نسخ المتواتر بالآحاد، وقد نفاه الأكثرون، وجوزه الأقلون، وذلك بخلاف تخصيص المتواتر بالآحاد، فإنه جوزه الأكثرون ونفاه الأقلون، وقد فرقنا بينهما بأن التخصيص بيان وجمع للدليلين، والنسخ إبطال ورفع فلا يرد علينا: أن النسخ تخصيص وقد جاز التخصيص فليجز النسخ، وأنه أقوى شبه الخصم، لنا أن المتواتر قاطع والآحاد مظنون، والقاطع لا يقابله المظنون.

قالوا: أولًا: نسخ المتواتر بالآحاد قد وقع وهو أن التوجه إلى بيت المقدس كان متواترًا، ونسخ بالآحاد وهو أن أهل مسجد قباء سمعوا مناديه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "ألا إن القبلة قد حولت" فاستداروا وتوجهوا ولم ينكر عليهم الرسول عليه السلام.

الجواب: أنك علمت أن خبر الواحد قد يفيد القطع بانضمام القرائن إليه وهذا من ذلك القبيل لأن نداء منادى الرسول بحضرته على رؤوس الأشهاد فى مثل هذه العظيمة قرينة صدقه عادة، ويجب المصير إليه لما ذكرنا من امتناع ترك القاطع بالمظنون.

قالوا: ثانيًا: نقطع بتتبع الآثار أن الرسول عليه السلام كان يبعث الآحاد لتبليغ الأحكام مطلقًا مبتدأة كانت أو ناسخة لا يفرق بينهما والمبعوث إليهم متعبدون

<<  <  ج: ص:  >  >>