للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال: (الثالث (١): ابتداء الوضع ليس بين اللفظ ومدلوله مناسبة طبيعية لنا القطع بصحة وضع اللفظ للشئ ونقيضه وضده وبوقوعه كالقرء والجون، قالوا: لو تساوت لم تختص قلنا تختص بإرادة الواضع المختار).

أقول: فرغ من أقسام الموضوعات فشرع فى بيان ابتداء وضعها وقد زعم عباد بن سليمان الصيمرى وأهل التكسير وبعض المعتزلة أن بين اللفظ والمعنى مناسبة ذاتية والحق خلافه لنا أنه يصح وضع كل لفظ لكل معنى حتى لنقيض ما قد وضع له وضده فإنه لو فرض ذلك لم يلزم منه محال لذاته بل ذلك معلوم الوقوع كالقرء للطهر والحيض وهما نقيضان والجون للأسود والأبيض وهما ضدان ولو كان الدلالة لمناسبة ذاتية لما كان كذلك وتقريره أنا لو فرضنا وضع اللفظ الدال على الشئ لنقيضه أو لضده دل عليه دون هذا المدلول أولهما فعليهما وما بالذات لا يختلف ولا يتخلف.

قالوا: لو تساوت الألفاظ بالنسبة إلى المعانى لم تختص الألفاظ بالمعانى وإلا لزم الاختصاص بدون تخصيص أو التخصيص بدون مخصص وكلاهما محال.

الجواب: نختار التخصيص ولا نسلم أنه دون مخصص لأن المخصص لا ينحصر فى المناسبة وإرادة الواضع المختار تصلح مخصصًا من غير انضمام داعية إليها فمن اللَّه تعالى كتخصيص الحدوث بوقته ومن الناس كتخصيص الأعلام بالأشخاص.

واعلم أن المخالف لعله يدعى ما يدعيه الاشتقاقيون من ملاحظة الواضع مناسبة ما بين اللفظ ومدلوله فى الوضع وإلا فبطلانه ضرورى.

قوله: (وهما نقيضان) بمعنى أن الحيض وجودى والطهر عدمى وإلا فالطهر عدم الحيض عما من شأنه فبينهما ملكة وعدم.

قوله: (وتقريره) المشهور فى بيان الملازمة أن الشئ الواحد لا يناسب بالذات للنقيضين أو الضدين وعليه منع ظاهر فزاد الشارح زيادة تحقيق وبيانه أن دلالة الألفاظ على معانيها لو كانت لمناسبة ذاتية بينهما لما صح وضع اللفظ الدال على الشئ بالمناسبة الذاتية لنقيض ذلك الشئ أو ضده، لأنا لو وضعناه لمجرد النقيض


(١) الثالث: أى من الأمور الأربعة التى وعد المصنف بالتكلم عليها.

<<  <  ج: ص:  >  >>