قال:(الرابع: طريق معرفتها التواتر فيما لا يقبل التشكيك كالأرض والسماء والحر والبرد والآحاد فى غيره).
أقول: قد فرغ من حد اللغات وأقسامها وابتداء وضعها فشرع يبين طريق معرفتها وهو النقل لأن وضع لفظ معين لمعنًى معين من الممكنات والعقل لا يستقل بها والنقل سنعلم أنه متواتر يفيد القطع وآحاد تفيد الظن واللغات قسمان قسم لا يقبل التشكيك كالأرض والسماء والحر والبرد مما يعلم وضعه لا يستعمل فيه قطعًا وقسم يقبله كاللغات العربية فالطريق فيما لا يقبل التشكيك هو التواتر وفى غيره الآحاد وفى عبارته إشارة إلى دفع ما شكك به بعضهم فقال أكثر الألفاظ دورانًا على الألسن كلفظ اللَّه وقع فيه الخلاف أسريانى هو أم عربى مشتق ومم أو موضوع ولم فما ظنك بغيره وأيضًا الرواة معدودة كالخليل والأصمعى ولم يبلغوا عدد التواتر فلا يحصل القطع بقولهم وأيضًا فإنهم أخذوا من تتبع كلام البلغاء والغلط عليهم جائز ووجه الدفع أن القدح فى القسم الأول سفسطة لا يستحق الجواب والثانى يكفى فيه الظن وما ذكروه لا يقدح فيه.
واعلم أن النقل قد يحتاج فى إفادته العلم بالوضع إلى ضميمة عقلية كما يروى أن الجمع المحلى باللام يدخله الاستثناء وأنه لإخراج ما لولاه لوجب دخوله فيعلم أنه للعموم وهذا لا يخرج من القسمين إذ لا يراد بالنقل أن يكون النقل مستقلًا بالدلالة من غير مدخل للعقل فيه إذ صدق المخبر لا بد منه وأنه عقلى.
قوله:(أو موضوع) أى ابتداء من غير أن يؤخذ من أصل فلهذا جعل قسيمًا للمشتق وعلى تقدير الاشتقاق فقد اختلفوا فى أنه من أله أو من وله، وعلى تقدير الوضع فى أنه موضوع للذات أو لبعض المعانى وللمفهوم الكلى أو الشخصى.
قوله:(لا يقدح فيه) لأن الاحتمالات المرجوحة إنما تنافى القطع دون الظن.
قوله:(واعلم أن النقل) يعنى أنه كان حصر طريق معرفة المخبر وذلك بالعقل (١) ولا تصريحه بأن هذا موضوع لذلك؛ بل قد يكون بأن يثبت بالنقل ما إذا انضمت
(١) قوله: وذلك بالعقل. كذا فى الأصل ولعل هنا سقطًا وحق العبارة وذلك لا يكون بالعقل. . . إلخ. وحرر. كتبه مصحح طبعة بولاق.