قال:(مسألة: الأكثر على أنه لا يمتنع عقلًا على الأنبياء معصية وخالف الروافض وخالف المعتزلة إلا فى الصغائر ومعتمدهم التقبيح العقلى والإجماع على عصمتهم بعد الرسالة من تعمد الكذب فى الأحكام لدلالة المعجزة على الصدق وجوزه القاضى غلطًا، وقال: دلت على الصدق اعتقادًا وأما غيره من المعاصى فالإجماع على عصمتهم من الكبائر والصغائر الخسيسة والأكثر على جواز غيرهما).
أقول: قد فرغ من أبحاث الكتاب، وهذه أبحاث السنة، والسنة لغة: الطريقة، والعادة، واصطلاحًا فى العبادات: النافلة، وفى الأدلة -وهو المراد-: ما صدر عن الرسول غير القرآن من فعل أو قول أو تقرير، ثم الأكثر من المحققين على أنه لا يمتنع عقلًا على الأنبياء قبل الرسالة ذنب من كبيرة أو صغيرة وخالف الروافض فى ذلك فمنعوا جواز الذنب مطلقًا وخالف المعتزلة فمنعوا جواز الذنب إلا فى الصغائر فإنهم لم يخالفونا فيها فجوزوها كما جوزنا، ومعتمد الفريقين فى ذلك أن فيه هضمًا واحتقارًا فتنفر الطبائع عن اتباعهم فيخل بالحكمة من بعثتهم، وذلك قبيح عقلًا، وقد عرفت بطلان قاعدة التقبيح العقلى، وأما بعد الرسالة فالإجماع على عصمتهم من تعمد الكذب فى الأحكام لدلالة المعجزة على صدقهم، وأما الكذب غلطًا فجوزه القاضى ومنعه الباقون لما مر من دلالة المعجزة على الصدق فمنع القاضى دلالته على الصدق مطلقًا بل على الصدق اعتقادًا، فجاز الكذب غلطًا، وأما غير الكذب من الذنوب فإن كانت من الكبائر أو من الصغائر الخسيسة كسرقة حبة مما ينفر فالإجماع على عصمتهم منها وإن كان من غيرها فالأكثر على جوازه ومنعه الأقل وتقريره فى الكلام.
المصنف:(لدلالة المعجزة على الصدق) فلو جاز الخلف لكان نقضًا لدلالة المعجزة وهو ممتنع.
المصنف:(فالإجماع على عصمتهم من الكبائر والصغائر الخسيسة) أى يمنع ذلك منهم بالسمع لا بالعقل؛ لأن العصمة فيما وراء التبليغ غير واجبة عقلا إذ لا دلالة للمعجزة عليه فامتناع الكبائر عنهم مستفاد من السمع وإجماع الأئمة قبل ظهور المخالفين فى ذلك.