إلا الإلحاح فأتسلل وأستخفى حتى صار فعالى مظنة للضنة أو الكسل فعيت بى العلل وضاقت بى الحيل فأسعفتهم بذلك وأمليت عليهم شرحًا لم أدّخر فيه نصحًا ولم آل فى تحريره جهدًا وقد راعيت شريطة الاقتصاد فيما أمل وتجافيت عن طرفيه لكى لا يخل ولا يمل واللَّه أسأل أن ينفع به ويجعله وسيلة إلى الرحمة والغفران وهو المستعان وعليه التكلان.
(بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ)
الحمد للَّه الذى وفقنا للوصول إلى منتهى أصول الشريعة الغراء، وشرح صدورنا بنور الاهتداء إلى سلوك محجتها البيضاء، والصلاة على سيدنا محمد خير الرسل وخاتم الأنبياء وعلى آله وأصحابه هداة السبل إلى النجاة يوم الجزاء.
وبعد: فكما أن المختصر للشيخ الإمام جمال الملة والدين ابن الحاجب خصه اللَّه من الكرامة بأعلى المراتب، يجرى من كتب الأصول مجرى الغرّة من الكمت بل الدرة من الحصى والواسطة من العقد لا الفقرة من الجمل، كذلك شرحه للعلامة المحقق والنحرير المدقق عضد الملة والدين أعلى اللَّه درجته فى عليين يجرى من الشروح مجرى العذب الفرات من البحر الأجاج بل عين الحيات من ينابيع الفجاج، ويلوح خلالها كأنه بدر مضئ بين الأجرام أو كوكب درى توقد فى الظلام لم ير مثله فى زبر الأولين ولم يسمح بما يوازيه أو يدانيه فكر الآخرين، بل لم يحسب أن أحدًا يبلغ هذا الأمد من التحقيق أو بشرًا يسلك هذا النمط من التدقيق، هذا وقد استهتر به جمع من الحذاق وغدت هممهم ممتدّة الأعناق ساهرة الأحداق شوقًا إلى الاقتناء لذخائر كنوزه والاطلاع على أسرار رموزه، وكم راموا فى ذلك دليلًا يهديهم إلى سواء السبيل ويحظيهم من موارده بما يروى الغليل، فما نالوا إلا مغترفًا هو على ساحل التمنى مقيم ومعترفًا نظر نظرة فيها فقال: إنى سقيم ولعمرى إن الزمان بمثله لعقيم واللَّه يهدى من يشاء إلى صراط مستقيم، وكأنهم احتظوا منى فى بعض مظان اللبس ومواقع الارتياب بما يفيد المرام ويميط الحجاب، فالتمسوا تعليق حواش تزيل فضل القناع وتزيد طالبيه بعض الاطلاع وأنا لنكد الأيام ورمد الدهر أسوف الأمر من يوم إلى يوم ومن شهر إلى شهر.