قال:(مسألة: العموم من عوارض الألفاظ حقيقة، وأما فى المعانى فثالثها الصحيح، كذلك لنا أن العموم حقيقة فى شمول أمر لتعدد وهو فى المعانى كعموم المطر والخصب ونحوه وكذلك المعنى الكلى لشموله الجزئيات، ومن ثم قيل العام ما لا يمنع تصوره من الشركة، فإن قيل المراد أمر واحد شامل وعموم المطر ونحوه ليس كذلك، قلنا ليس العموم بهذا الشرط لغة وأيضًا فإن ذلك ثابت فى عموم الصوت والأمر والنهى والمعنى الكلى).
أقول: العموم من عوارض الألفاظ حقيقة فإذا قيل هذا اللفظ عام صدق على سبيل الحقيقة وأما فى المعنى فإذا قيل هذا المعنى عام فهل هو حقيقة؟ فيه مذاهب أولها: لا يصدق حقيقة ولا مجازًا، ثانيها: يصدق مجازًا، ثالثها -وهو المختار-: يصدق حقيقة كما فى الألفاظ لنا أن العموم حقيقة فى شمول أمر لمتعدد وكما يصح فى الألفاظ باعتبار شموله لمعانٍ متعددة بحسب الوضع يصح فى المعانى باعتبار شمول معنى لمعان متعددة بالتحقق فيها، بيانه أنه يتصور شمول أمر معنوى لأمور متعددة كعموم المطر والخصب والقحط للبلاد، ولذلك يقال عم المطر وعم الخصب ونحوه، وكذلك ما يتصوره الإنسان من المعانى الكلية فإنها شاملة لجزئياتها المتعددة الداخلة تحتها، ولذلك يقول المنطقيون: العام ما لا يمنع تصوُّره الشركة فيه والخاص بخلافه، فإن قيل المراد العام أمر واحد شامل لمتعدد وشمول المطر والخصب ونحوهما ليس كذلك إذ الموجود فى كل مكان غير الموجود فى المكان الآخر وإنما هو أفراد من المطر والخصب.
والجواب: لا نسلم أنه يعتبر فى اللغة فى العموم هذا القيد بل يكفى الشمول سواء كان هناك أمرًا واحدًا أو لم يكن، ولئن سلمنا فالعموم بذلك المعنى ثابت فى الصوت يسمعه طائفة وهو أمر واحد يعمهم وكذلك الأمر والنهى النفسيان قد يعمان خلقًا كثيرًا وكذلك المعانى الكلية تتصور لعمومها الآحاد التى تحتها، وأعلم أن الإطلاق اللغوى أمر سهل إنما النزاع فى واحد متعلق بمتعدد وذلك لا يتصوّر فى الأعيان الخارجية، إنما يتصوَّر فى المعانى الذهنية والأصوليون ينكرون وجودها.
قوله:(حقيقة فى شمول أمر لمتعدد) إشارة إلى أن له مفهومًا واحدًا شاملًا لعموم الألفاظ وعموم المعانى فيندفع ما يقال أن مجرد صحة الإطلاق لا يوجب