قال:(الاستثناء فى المنقطع قيل حقيقة، وقيل مجازًا، وعلى الحقيقة، قيل متواطئ، وقيل مشترك، ولا بد لصحته من مخالفة فى نفى الحكم، أو فى أن المستثنى حكم آخر له مخالفة بوجه مثل: ما زاد إلا ما نقص، ولأن المتصل أظهر لم يحمله فقهاء الأمصار على المنقطع إلا عند تعذره ومن ثمة قالوا فى: له عندى مائة درهم إلا ثوبًا وشبهه إلا قيمة ثوب).
أقول: المستثنى إن كان بعض المستثنى منه فالاستثناء متصل وإلا فمنقطع، والمنقطع قد علمت أنه لا مدخل له فى التخصيص فإن قولك جاءنى القوم إلا حمارًا لا يخرج بعض المسمى ولا نعرف خلافًا فى صحته لغة، إنما الخلاف فى كونه حقيقة أو مجازًا، فقيل حقيقة، وقيل مجاز، وعلى القول بأنه حقيقة فقد قيل: إنه متواطئ أى مقول على المتصل والمنقطع باعتبار أمر مشترك بينهما، وقيل لا بل هو مشترك بينهما بالاشتراك اللفظى، واعلم أنه لا بد لصحة الاستثناء المنقطع من مخالفة بوجه من الوجوه، وقد يكون بأن ينفى من المستثنى الحكم الذى يثبت للمستثنى منه، نحو: جاءنى القوم إلا حمارًا، فقد نفينا المجئ عن الحمار، بعد ما أثبتناه للقوم، وقد يكون بأن يكون المستثنى نفسه حكمًا آخر مخالفًا للمستثنى منه بوجه، مثل: ما زاد إلا ما نقص، فإن النقصان حكم مخالفة للزيادة، وكذا: ما نفع إلا ما ضر، ولا يقال: ما جاءنى زيد، إلا أن الجوهر الفرد حق إذ لا مخالفة بينهما بأحد الوجهين وبالجملة فإنه مقدر بلكن فكما يجب فيه مخالفة إما تحقيقًا، مثل: ما ضربنى زيد لكن ضربنى عمرو، وإما تقديرًا مثل: ما ضربنى لكن أكرمنى فكذا ههنا، واعلم أن الحق أن المتصل أظهر فلا يكون مشتركًا ولا للمشترك بل حقيقة فيه ومجازًا للمنقطع، فلذلك لم يحمله علماء الأمصار على المنفصل إلا عند تعذر المتصل حتى عدلوا للحمل على المتصل عن الظاهر وخالفوه، ومن ثمة قالوا "فى قوله: له عندى مائة درهم إلا ثوبًا وله على إبل إلا شاة" معناه: إلا قيمة ثوب أو قيمة شاة فيرتكبون الإضمار وهو خلاف الظاهر ليصير متصلًا ولو كان فى المنقطع ظاهرًا لم يرتكبوا مخالفة ظاهر حذرًا عنه.