قال: (مسألة: فعله -صلى اللَّه عليه وسلم- ما وضح فيه أمر الجبلة كالقيام والقعود والأكل والشرب أو تخصيصه كالضحى والوتر والتهجد والمشاورة والتخيير والوصال والزيادة على أربع فواضح، وما سواهما إن وضح أنه بيان بقول أو قرينة مثل:"صلوا"، و"خذوا" وكالقطع من الكوع، والغسل إلى المرافق اعتبر اتفاقًا وما سواه إن علمت صفته فأمته مثله، وقيل فى العبادات وقيل كما لم تعلم، وإن لم تعلم، فالوجوب والندب والإباحة، والوقف والمختار إن ظهر قصد القربة فندب وإلا فمباح. لنا القطع بأن الصحابة رضى اللَّه عنهم أجمعين كانوا يرجعون إلى فعله عليه الصلاة والسلام المعلوم صفته، وقوله تعالى:{فَلَمَّا قَضَى}[الأحزاب: ٣٧] الآية، وإذا لم تعلم وظهر قصد القربة ثبت الرجحان فيلزم الوقوف عنده والزيادة لم تثبت وإذا لم يظهر فالجواز والوجوب والندب زيادة لم تثبت وأيضًا لما نفى الحرج بعد قوله:{زَوَجْنَاكَهَا}[الأحزاب: ٣٧]، فهمت الإباحة مع احتمال الوجوب والندب).
أقول: فعله عليه الصلاة والسلام إن وضح فيه أمر الجبلة كالقيام والقعود والأكل والشرب فواضح أنه مباح له ولأمته فلا خلاف فيه وإن ثبت تخصيصه به كوجوب الضحى والأضحى والوتر والمشاورة وتخيير نسائه فيه، وإباحة الوصال فى الصوم، والزيادة على أربع نسوة، فواضح أيضًا أنه لا يشاركه فيه الأمة فلا خلاف فيه، وأما سواهما فإن عرف أنه بيان لنص علم جهته من الوجوب والندب والإباحة اعتبر على جهة المبين من كونه خاصًا وعامًا اتفاقًا، ومعرفة كونه بيانًا إما بقول وإما بقرينة فالقول نحو:"خذوا عنى مناسككم"، "وصلوا كما رأيتمونى أصلى" والقرينة مثل أن يقع الفعل بعد إجمال كقطع يد السارق من الكوع دون المرفق والعضد بعدما نزل قوله: {وَالسُّارِقُ وَالسَّارِقَة فَاقْطَعُوا أَيْديَهُمَا}[المائدة: ٣٨]، والغسل إلى المرافق بإدخال المرافق أو إخراجها بعدما نزلت:{فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ}[المائدة: ٦]، وأما ما سواه أى ما لا يعرف أنه بيان فإن علمت صفته من الوجوب والندب والإباحة فأمته مثله فى ذلك، وقال أبو على بن خلاد: أمته مثله فى العبادات خاصة دون غيرها، وقيل: هو كما لم تعلم جهته، وها هو نذكر حكمه، فنقول: وإن لم تعلم جهته بالنسبة إليه فبالنسبة إلى الأمة فيه أربعة مذاهب: الوجوب، والندب، والإباحة، والوقف، ومذهب خامس، وهو المختار عند المصنِّف وهو التفصيل بأنه إن ظهر قصد القربة فالندب وإلا فالإباحة،