فهنا مقامان: أن ما علم جهته فأمته فيه مثله، وأن ما لم تعلم جهته فإن ظهر قصد القربة فالندب وإلا فهو الإباحة.
لنا فى المقام الأول: القطع بأن الصحابة كانوا يرجعون إلى فعله المعلوم صفته، وذلك يقتضى علمهم بالتشريك عادة، وأيضًا فقوله تعالى:{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِى رَسُولِ اللُّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}[الأحزاب: ٢١] تحقيقًا لمعنى التأسى، وهو فعل مثل كما فعل على الوجه الذى فعل وأيضًا فقوله تعالى:{فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ منْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَىْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِى أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ}[الأحزاب: ٣٧]، ولولا التشريك لما أدى تزويج النبى إلى ذلك فى حق المؤمنين.
وفى المقام الثانى: أنه إذا ظهر قصد القربة ظهر الرجحان فحكم به والمنع من الترك زيادة لم تثبت إلا بدليل، والأصل عدمه، فثبت الرجحان بدون المنع من الترك، وهو الندب، وإذا لم يظهر قصد القربة ظهر الجواز لبعد المعصية، ولا وجوب ولا ندب بالأصل، وأيضًا لا نفى الحرج فى قوله:{زَوَّجْنَاكَهَا}[الأحزاب: ٣٧]، مع احتمال الوجوب والندب ولم يثبتهما فهم منه أن مقتضى فعله الإباحة دونهما.
قوله:(بإدخال المرافق) يعنى أن الآية تحتمل دخول المرافق فى وجوب الغسل وعدم دخولها فلو غسل مع المرافق أو بدونها كان بيانًا، وهذا تكلف لدفع الاعتراض بأن الغسل إلى المرافق مستفاد من الآية لا من فعله، وفى المنتهى والغسل للمرافق وهو ظاهر، وفى الأحكام وكالمرافق فى التيمم بيانًا لقوله تعالى:{فَامْسَحُوا بِوجُوهِكُمْ}[المائدة: ٦]، وهو أظهر.
الشارح:(اعتبر على جهة المبنى من كونه عامًا أو خاصًا) الأولى أن يقول: من الوجوب والندب وغيرهما.
الشارح:(وأيضًا فقوله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِى رَسوليِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}[الأحزاب: ٢١]) أى ذلك القول دليل على أن الأمة مشاركة له ليتحقق معنى التأسى إذ لولا المشاركة ما تحقق التأسى.
الشارح:(وأيضًا لما نفى الحرج. . . إلخ) دليل آخر على الإباحة وقد ذكر فى