قال: (مسألة: الأكثر على عدالة الصحابة، وقيل كغيرهم وقيل إلى حين الفتن، فلا يقبل الداخلون لأن الفاسق غير معين، وقالت المعتزلة عدول إلا من قاتل عليًا. لنا {وَالَّذِينَ مَعَهُ}[الفتح: ٢٩]، "أصحابى كالنجوم" وما تحقق بالتواتر عنهم من الجد فى الامتثال، وأما الفتن فتحمل على اجتهادهم ولا إشكال بعد ذلك على قول المصوّبة وغيرهم).
أقول: أكثر الناس على أن الصحابة كلهم عدول وقيل هم كغيرهم فيهم العدل وغير العدل فيحتاج إلى التعديل، وقيل هم كغيرهم إلى حين ظهور الفتن أعنى بين على ومعاوية وأما بعدها فلا يقبل الداخلون فيها مطلقًا، أى من الطرفين وذلك لأن الفاسق من الفريقين غير معين فكلاهما مجهول العدالة فلا يقبل، وأما الخارجون عنها فكغيرهم وقالت المعتزلة: هم عدول إلا من علم أنه قاتل عليًا فإنه مردود، لنا ما يدل على عدالتهم من الآيات نحو قوله تعالى:{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا}[البقرة: ١٤٣]، أى عدولًا، وقوله:{كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ}[آل عمران: ١١٠]، وقوله:{وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ}[الفتح: ٢٩]، ومن الحديث نحو قوله:"أصحابى كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم"، وقوله:"خير القرون قرنى ثم من بعدهم الأقرب فالأقرب"، وقوله فى حقهم:"لو أنفق أحد ملء الأرض ذهبًا لما نال مد أحدهم"، ولنا أيضًا ما تحقق عنهم بالتواتر من الجد فى امتثالهم الأوامر والنواهى وبذلهم الأموال والأنفس، وذلك ينافى عدم العدالة، وأما ما ذكروه من الفتن فيحمل على الاجتهاد أى اجتهدوا فيها فأدى اجتهاد كل إلى ما ارتكبه وحينئذٍ فلا إشكال سواء قلنا كل مجتهد مصيب، وهو ظاهر أو قلنا المصيب واحد لوجوب العمل بالاجتهاد اتفاقًا ولا تفسيق بواجب.
قوله:(حين ظهور الفتن) جمهور الشارحين على أنه آخر عهد عثمان رضى اللَّه عنه، وفسره المحقق بما بين على رضى اللَّه عنه ومعاوية إما ميلًا إلى تفسيق قتلة عثمان بلا خلاف وإما توقفًا فيه على ما اشتهر من السلف فى أن أول من بغى فى الإسلام معاوية.
قوله:(ثم من بعدهم الأقرب فالأقرب) كأنه نقل بالمعنى وإلا فالرواية: "ثم