على عدم اعتقادهم حقيقته ولا على مخالفة أمر مقرون بقرائن الوجوب فدل على أن الأمر المطلق وهو لا ينافى توقف الذم على الوجوب نفسه وبهذا يندفع ما يقال أن الوجوب مستفاد من قرينة الذم لا من مطلق الصيغة إذ لو لم يكن المطلق للوجوب لما صح ترتب الذم عليه.
قوله:(والثالث) وهو أن كون تارك المأمور به متوعدًا دليل الوجوب ظاهرًا إذ لا توعد على ترك غير الواجب اتفاقًا، وإنما الخلاف فى أن هذا هل يصلح تعريفًا للوجوب.
قوله:(هدد مخالف الأمر) تمام تقريره أن الذين يخالفون فاعل فليحذر، وأن تصيبهم مفعوله، وهذا الأمر للإيجاب والإلزام قطعًا إذ لا معنى لندب الحذر عن العذاب أو إباحته ومعنى {يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ}[النور: ٦٣]، يتركون امتثاله والإتيان بما أمروا به من قولهم خالفنى فلان عن كذا إذا أعرض عنه وأنت قاصد إياه، والمعنى يخالفون المؤمنين عن أمر اللَّه تعالى أو أمر النبى عليه الصلاة والسلام ويجوز أن يكون على تضمين المخالفة معنى الإعراض، وإذا أوجب على مخالفة الأمر الحذر عن العذاب كان ذلك تهديدًا على مخالفة الأمر، وهو دليل على كون الأمر للوجوب إذ لا تهديد على ترك غير الواجب.
قوله:(لا نسلم أنه مطلق) ليس على ما ينبغى لأن الاعتراض ليس إلا منع العموم فجوابه أن إضافة المصدر عند عدم العهد للعموم على أن الإطلاق كاف فى المطلوب وهو كون الأمر المطلق للوجوب خاصة إذ لو كان حقيقة لغيره أيضًا لم يترتب الذم والوعيد والتهديد على مخالفة مطلق الأمر وبهذا يندفع ما يقال أن غاية هذه الاستدلالات كون الأمر حقيقة فى الوجوب ولا يلزم منه أن لا يكون حقيقة فى غيره إلا أن يقال الأصل عدم الاشتراك فيعارض بأن ما سيأتى دليل على أنه حقيقة فى الندب فلا يكون حقيقة فى الوجوب دفعًا للاشتراك نعم قد يعترض على هذين الوجهين بأن الكلام فى صيغة الأمر وما ذكر من ترتب الوعيد والتهديد على مخالفة الأمر إنما يدل على كون لفظ الأمر حقيقة فيما يفيد الوجوب خاصة.
قوله:(فيكون حقيقة لأحد الأربعة) الوجوب والندب والإباحة والتهديد إذ لا نزاع فى غيرها (مجازًا فى الباقى) أى الثلاثة الأخر من الأربعة وذلك الأحد ليس هو الإباحة ولا التهديد ولا الندب فتعين الوجوب، فقوله ولأنه تحقق عطف على