قال القاضى:(لو لم يكن إياه لكان ضدًا أو مثلًا أو خلافًا لأنهما إما أن يتساويا فى صفات النفس أو لا. الثانى إما أن يتنافيا بأنفسهما أو لا، فلو كانا مثلين أو ضدين لم يجتمعا ولو كانا خلافين لجاز أحدهما مع ضد الآخر وخلافه لأنه حكم الخلافين، ويستحيل الأمر مع ضد النهى عن ضده وهو الأمر بضده لأنهما نقيضان أو تكليف بغير الممكن، وأجيب إن أراد بطلب ترك ضده طلب الكف منع لازمها عنده فقد يتلازم الخلافان فيستحيل ذلك وقد يكون كل منهما ضد ضد الآخر كالظن والشك فإنهما معًا ضد العلم، وإن أراد بترك ضده عين الفعل المأمور به رجع النزاع لفظيًا فى تسميته تركًا ثم فى تسميته طلبًا نهيًا، القاضى أيضًا السكون عين ترك الحركة فطلب السكون طلب ترك الحركة وأجيب بما تقدَّم).
أقول: احتج القاضى على أن الأمر بالشئ هو النهى عن ضده بأنه لو لم يكن نفسه لكان إما مثله أو ضده أو خلافه، واللازم بأقسامه باطل أما الملازمة فلأن كل متغايرين إما أن يتساويا فى صفات النفس أو لا، والمعنى بصفات النفس ما لا يحتاج الوصف به إلى تعقل أمر زائد كالإنسانية للإنسان، والحقيقة والوجود والشيئية له بخلاف الحدوث والتحيز فإن تساويا فيها فمثلان كسوادين أو بياضين وإلا فإما أن يتنافيا بأنفسهما أى يمتنع اجتماعهما فى محل واحد بالنظر إلى ذاتهما أو لا فإن تنافيا بأنفسهما فضدان كالسواد والبياض وإلا فخلافان كالسواد والحلاوة، وأما انتفاء اللازم بأقسامه فلأنهما لو كانا ضدين أو مثلين لم يجتمعا فى محل واحد وهما يجتمعان إذ جواز الأمر بالشئ والنهى عن ضده معًا ووقوعه ضرورى ولو كانا خلافين لجاز اجتماع كل واحد منهما مع ضد الآخر ومع خلافه لأن الخلافين حكمهما ذلك كما يجتمع السواد وهو خلاف الحلاوة مع الحموضة ومع الرائحة فكان يجوز أن يجتمع الأمر بالشئ مع ضد النهى عن ضده وهو الأمر بضده لكن ذلك محال ما لأنهما نقيضان إذ يعدّ افعل هذا أو افعل ضده أمرًا متناقضًا كما يعدّ فعله وفعل ضده خبرًا متناقضًا وإما لأنه تكليف بغير الممكن وأنه محال.
الجواب: أن يقال له ما تريد بقولك هو طلب لترك ضده أتريد به أنه طلب الكف عن ضده أو طلب فعل ضد ضده الذى هو نفس الفعل المأمور به فإن أراد طلب الكف منع ما زعم أنه لازم للخلافين وهو اجتماع كل مع ضد الآخر وخلافه وذلك لأن الخلافين قد يكونان متلازمين فيستحيل فيهما ذلك لأن اجتماع أحد المتلازمين مع الشئ يوجب اجتماع الآخر معه فيلزم اجتماع كل مع ضده