قال:(والفار من الطرد إما لأن النهى طلب نفى وإما للإلزم القطيع وإما لأن أمر الإيجاب يستلزم الذم على الترك وهو فعل فاستلزم كما تقدَّم والنهى طلب كف عن فعل فلم يستلزم الأمر لأنه طلب فعل لا كف وإما لإبطال المباح).
أقول: الذين فروا من طرد الحكم فى النهى واقتصروا عليه فى الأمر فإنما لم يقولوا بأن النهى عن الشئ أمر بضده لأحد أمور أربعة: إما لأن مذهبهم أن النهى طلب نفى الفعل لا طلب الكف عنه الذى هو ضده كما هو مذهب أبى هاشم فلا يكون أمرًا بالضد وأما فرارًا من الإلزام القطيع فى أمر الزنا واللواط، وإما لأن أمر الإيجاب يستلزم الذم على الترك وهو فعل فاستلزم النهى عن فعل ينافى المأمور به وهو معنى الضد كما تقدَّم وإما النهى فهو طلب كف عن فعل يذم فاعله فلم يكن مستلزمًا للأمر لأنه طلب فعل غير كف وهذا طلب فعل هو كف، وإما للزوم إبطال المباح وكونه واجبًا كما هو مذهب الكعبى.
قوله:(لم يقولوا بأن النهى عن الشئ أمر بضده) أى لا بطريق كونه عينه لا طريق تضمنه إياه.
قوله:(فلا يكون أمرًا بالضد) ولا متضمنًا له لأن الأمر طلب فعل غير كف وطلب النفى والعدم لا هو ولا متضمنه بخلاف الأمر فإنه طلب الفعل مع المنع عن الترك فيتضمن النهى الذى هو طلب الترك بل ربما يكون طلب الفعل طلب ترك أضداده أو متضمنًا له، نعم قد يمتنع أن طلب النفى لا يستلزم طلب فعل هو أحد أضداد المنهى عنه إذ لا يتصور ترك الفعل من غير اشتغال بفعلٍ مّا من حركة أو سكون ولهذا لا يصح لا تفعل شيئًا مّا لكونه تكليفًا بالمحال، وأما ما يقال من أن النهى على تقدير كونه طلب نفى الفعل لا يكون أمرًا بالضد لأن النفى المحض لا ضد له فغلط لأن المراد ضد الفعل المطلوب نفيه لا ضد النفى وهو ظاهر.
قوله:(وهو) أى الترك فعل لأنه المقدور الذى يذم عليه دون النفى الصرف (فاستلزم) أى أمر الإيجاب النهى عن فعل ينافى المأمور به هو ترك المأمور به إذ لا يذم بما لم ينه عنه لأنه معناه كما سبق ولا نعنى بضد الفعل إلا فعلًا ينافيه والحاصل أن الأمر طلب فعل غير كف مع المنع عن تركه والذم عليه وهو حقيقة النهى عن الترك الذى هو ضد المأمور به والنهى طلب كف عن فعل مع المنع عن