للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(قال: والمخصص الوجوب للأمرين الأخيرين).

أقول: الذين خصصوا الحكم بأمر الوجوب دون الندب فللأمرين الأخيرين، وهو أن أمر الوجوب يستلزم الذم على الترك فيستلزم النهى كما تقدَّم بخلاف أمر الندب وللزوم إبطال المباح إذ ما من وقت إلا ويندب فيه فعل فإن استغراق الأوقات بالمندوبات مندوب بخلاف الواجب فإنه لا يستغرق الأوقات فيكون الفعل فى غير وقت لزوم أداء الواجب مباحًا ولا يلزم نفى المباح.

قوله: (بخلاف أمر الندب) فإنه لا ذم فيه على الترك ولا بظهر سبب آخر يوجب الحكم لاستلزامه النهى عن ضد المندوب فيخصص الحكم بأمر الإيجاب حتى يظهر دليل الاشتراك واعترض العلامة بأن القائل باستلزامه النهى عن الضد لا يريد نهى التحريم بل نهى الكراهة فلا يضره عدم الذم على الترك وظاهر أن ندب الشئ يستلزم كراهة تركه وهو فعل مضاد له منهى عنه نهى الكراهة ولا خفاء فى أنه حينئذ يرجع النزاع لفظيًا كما سبق وأما ما يقال إن الفعل إذا كان مندوبًا كان ضده الملزوم لتركه مرجوحًا وترك المرجوح مطلوب فيجوز أن يكون ضد الفعل المندوب منهيًا عنه فيكون أمر الندب مستلزمًا للنهى عن ضده فلا يخفى فساده.

قوله: (وللزوم) عطف على محذوف كأنه قال: لأول الأمرين الأخيرين وهو كذا وللزوم إبطال المباح تقرير العلامة ومن تبعه أن ليس المراد أن أمر الإيجاب يستلزم إبطال المباح بخلاف أمر الندب إذ الأول يستلزم حرمته، والثانى كراهته فيستلزمان إبطاله بل المراد أن إبطال المباح خلاف الأصل فالتزم فى أمر الإيجاب الذى هو أقل من أمر الندب تعليلًا لمخالفة الأصل ولا تعارض بأن أضداد الواجبات أكثر لأنه ممنوع وفى بعض الشروح أن الموجب لإبطال المباح لزوم المنع من ترك ما هو ضد للمنهى عنه وفى أمر الندب ليس كذلك ولما كان فساد هذا الكلام سيما كلام العلامة فى غاية الوضوح بينه الشارح المحقق لقوة رأيه واستقامة فكره بيانًا ترتضيه العقول وإن أفتر عن ضعف فمن الأصول وحاصله أن أوامر الندب تستغرق الأوقات فلو استلزمت كراهة أضداد المندوبات بطل بالكلية المباحات المضادة لها بخلاف أوامر الإيجاب فإنها إنما تمنع المباحات المضادة للواجبات فى وقت لزوم الأداء خاصة وتبقى فى غير ذلك الوقت مباحة فلا ينتفى المباح

<<  <  ج: ص:  >  >>