العلم إلى التصور والتصديق المنقسمين إلى الضرورى والنظرى وبيان الطرق الموصلة إلى النظريات وما يتعلق بها فهذه المباحث كلها من تتمة الحد، ولذلك لم يصدرها بعنوان يدل على أنها مبادئ كلامية كما فعله فى القسمين الآخرين وفيه أن يراد علم فى آخر استطرادًا مما يأباه الطبائع المستقيمة، وأما صاحب الأحكام فاقتصر على تعريف الدليل والنظر والعلم والظن وجعلها مبادئ كلامية.
قوله:(والدليل لغة) الدليل لغة يطلق على المرشد، والمرشد له معنيان: الناصب لما يرشد به، والذاكر له وكذا يطلق الدليل على ما به الإرشاد فله ثلاثة معان وللمرشد معنيان وإنما كرر اللام فى قوله: ولما به الإرشاد تنبيهًا على كونه معطوفًا على المرشد وهذا التوجيه موافق لما صرح به الآمدى فى الأحكام حيث قال: وأما الدليل فقد يطلق فى اللغة بمعنى الدال وهو الناصب للدليل وقيل هو الذاكر له وقد يطلق على ما فيه دلالة وإرشاد. قال الشارح: ولا يبعد أن يجعل ما به الإرشاد فى عبارة الكتاب عطفًا على الناصب فيكون الدليل للمرشد وهو للمعانى الثلاثة وحيث كان إطلاقه على المعنى الثالث مستبعدًا فى بادئ الرأى أزاله بقوله فإن ما به الإرشاد يقال له: المرشد مجازًا؛ لأن الفعل قد يسند إلى الآلة فيقال للسكين: إنه قاطع واعترض بأنه بعيد لما فيه من إطلاق المرشد على معناه حقيقة ومجازًا معًا إلا أن يؤول بأن الدليل لغة ما يطلق عليه لفظ المرشد، وأجيب بأن هذا التأويل لازم على التوجيه الأول أيضًا لئلا يلزم إطلاقه على معنييه الحقيقيين معًا أعنى الناصب والذاكر فكأنه قيل: مدلوله لغة هو مدلول المرشد فيعم الحقيقى والمجازى على أن المصنف جوز استعمال اللفظ فى كل واحد من مدلوليه الحقيقى والمجازى معًا مجازًا كما جوزه فى المعنيين الحقيقيين أيضًا فلا استبعاد على مذهبه، وما قيل من أن الإرشاد هو الهداية فيكون أخص من الدلالة فلا يصح تفسير الدليل بالمرشد وأيضًا قولنا: الدليل لغة كذا معناه أن ذلك مفهومه بحسب وضع اللغة فلا يشمل المعنى المجازى، فجوابه أن المصنف فسر المرشد بما فسر به الآمدى الدال أعنى الناصب والذاكر ولم يعتير فى شئ منهما معنى الإيصال، فالإرشاد والهداية عنده يرادفان الدلالة قال الجوهرى: الهدى الإرشاد والدلالة وهديته الطريق، والبيت هداية أى: عرفته وإن الشارح أشار إلى اعتبار القول والإطلاق دون الوضع.