للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال: (مسألة: نحو قول الصحابى نهى عليه الصلاة والسلام عن بيع الغرر، وقضى بالشفعة للجار، يعم الغرر والجار لنا عدل عارف فالظاهر الصدق فوجب الاتباع، قالوا: يحتمل أنه كان خاصًا أو سمع صيغة خاصة فتوهم والاحتجاج للمحكى قلنا خلاف الظاهر).

أقول: إذا حكى الصحابى حالًا بلفظ ظاهره العموم، كأن يقول: "نهى عن بيع الغرر" (*)، و"قضى بالشفعة للجار" (**)، فإنه يعم الغرر والجار بصيغته، وهو حكاية حال فيحمل على العموم خلافًا للأكثرين لنا أنه عدل عارف باللغة وبالمعنى والظاهر أنه لا ينقل العموم إلا بعد ظهوره وقطعه وأنه صادق فيما رواه من العموم وصدق الراوى يوجب اتباعه اتفاقًا، قالوا: يحتمل أنه نهى عن غرر خاص وقضى بشفعة خاصة فظن العموم باجتهاده أو سمع صيغة خاصة فتوهم أنها للعموم فروى العموم لذلك، والاحتجاج بالمحكى لا الحكاية والعموم فى الحكاية لا المحكى.

الجواب: هذا الاحتمال وإن كان منقدحًا فليس بقادح لأنه خلاف الظاهر من علمه وعدالته، والظاهر لا يترك للاحتمال لأنه من ضرورته فيؤدى إلى ترك كل ظاهر.

قوله: (فإنه يعم الغرر) بيان كون ظاهر اللفظ للعموم، وقوله فيحمل جواب الشرط أعنى إذا حكى فإن قيل لا خفاء فى أن حكمه إنما وقع فى صورة مخصوصة فكيف يصح الحمل على العموم قلنا أما فى الغرر فاحتمال العموم ظاهر لجواز أن يصدر عنه النهى عن كل بيع غرر، وأما فى القضاء بالشفعة للجار فيحمل على أنه قضى بطريق يفهم منه العموم.

قوله: (باللغة) أى بما يتعلق بمعرفة المعانى الوضعية (وبالمعنى) أى بما يتعلق باستنباط الأحكام الشرعية.


(*) أخرجه أبو عوانة فى مسنده (٤٨٨٠)، والبيهقى فى الكبرى (١٠١٩٧)، والدارقطنى فى سننه (٣/ ١٥) (ح ٤٧)، وأبو داود فى سننه (٣/ ٢٥٤) (ح ٣٣٧٦)، والإمام مالك فى الموطأ (١٣٤٥).
(**) قال الحافظ ابن كثير: لم أر هذا اللفظ فى شئ من الكتب الستة. انظر: تحفة الطالب (١/ ٢٧٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>