قال: (مسألة: الجمهور: الفعل يكون بيانًا لنا أنه عليه الصلاة والسلام بيَّنَ الصلاة والحج بالفعل، وقوله:"خذوا عنى .. "، و"وصلوا كما .. " يدل عليه وأيضًا فإن المشاهدة أدل إذ "ليس الخبر كالمعاينة"، قالوا: يطول فيتأخر البيان، قلنا: وقد يطول بالقول، ولو سلم فما تأخر للشروع فيه ولو سلم فلسلوك أقوى البيانين ولو سلم فما تأخر عن وقت الحاجة).
أقول: الفعل هل يكون بيانًا؟ الجمهور على أنه يكون بيانًا خلافًا لشرذمة.
لنا: أنه -صلى اللَّه عليه وسلم- بيَّن الصلاة والحج بالفعل.
فإن قيل: إنما البيان بقوله: "صلوا كما رأيتمونى أصلى"، و"خذوا عنى مناسككم" لا بالفعل.
قلنا: البيان بالفعل وذلك دليل كون الفعل بيانًا لا أنه هو البيان.
ولنا أيضًا: أن مشاهدة الفعل أدل فى بيانه من الإخبار عنه، ولذلك قيل فى المثل السائر "ليس الخبر كالمعاينة"، فلا بعد فى العدول إليه رومًا لزيادة الدلالة.
قالوا: الفعل يطول فلو بين به لزم تأخير البيان مع إمكان تعجيله، وأنه غير جائز.
الجواب: أوّلًا: لا نسلم أن الفعل أطول من القول، إذ قد يطول البيان بالقول أكثر مما يطول بالفعل، فإن ما فى ركعتين من الهيئات لو بين بالقول ربما استدعى زمانًا أكثر مما يصلى فيه الركعتان بكثير.
وثانيًا: لا نسلم لزوم تأخير البيان، إذ تأخير البيان أن لا يشرع فيه عقيب الإمكان، ولا يشتغل به وهذا قد شرع فيه واشتغل به وإنما الفعل هو الذى يستدعى زمانًا ومثله لا يعدُّ تأخيرًا كمن قال لغلامه ادخل البصرة فسار فى الحال فبقى فى مسيره عشرة أيام حتى دخلها فإنه لا يعدُّ بذلك مؤخرًا بل مبادرًا ممتثلًا بالفور.
وثالثًا: بأنك ما تعنى بقولك لا يجوز التأخير مع إمكان التعجيل، إذا لم يكن فيه غرض أو إذا كان ممنوعًا، بيانه أنه وإن كان تأخر البيان فقد فعله لسلوك أقوى البيانين وهو الفعل لكونه أدل كما مر.
ورابعًا: أن تأخير البيان لا يمتنع مطلقًا إنما يمتنع عن وقت الحاجة وهذا لم يتأخر عنه فيجوز.