للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قال: (ثم المفهوم مفهوم موافقة ومفهوم مخالفة، فالأول أن يكون المسكوت موافقًا فى الحكم، ويسمى فحوى الخطاب، ولحن الخطاب، كتحريم الضرب من قوله تعالى: {فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} [الإسراء: ٢٣]، وكالجزاء بما فوق المثقال من قوله: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ} [الزلزلة: ٧]، وتأدية ما دون القنطار من قوله: {يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ} [آل عمران: ٧٥]، وعدم الأجر من {لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ} [آل عمران: ٧٥]، وهو تنبيه بالأدنى فلذلك كان فى غيره أولى، ويعرف بمعرفة المعنى وهو أشد مناسبة فى المسكوت).

أقول: ما ذكرناه أقسام المنطوق، وأما المفهوم فينقسم إلى مفهوم موافقة، ومفهوم مخالفة، لأن حكم غير المذكور إما موافق لحكم المذكور نفيًا وإثباتًا، أو لا: الأول: مفهوم الموافقة وهو أن يكون المسكوت عنه وهو الذى سماه غير محل النطق موافقًا فى الحكم للمذكور وهو ما سماه محل النطق وهذا يسمى فحوى الخطاب ولحن الخطاب وضرب له أمثلة، منها: قوله تعالى: {فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا. . .} [الإسراء: ٢٣]، فعلم من حال التأفيف وهو محل النطق حال الضرب وهو غير محل النطق، مع الاتفاق وهو إثبات الحرمة فيهما. ومنها: قوله تعالى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ} [الزلزلة: ٧]، {وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة: ٨]، المذكور مثقال ذرة والمسكوت عنه ما فوقه والحكم يتحد وهو الجزاء بهما إذ الرؤية كناية عنه.

ومنها: قوله تعالى: {وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ} [آل عمران: ٧٥]، فعلم منه تأدية ما دون القنطار، وقوله: {وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ} [آل عمران: ٧٥]، فعلم منه عدم تأدية ما فوق الدينار. وقوله: وهو تنبيه بالأدنى، أى مفهوم الموافقة تنبيه بالأدنى على الأعلى، فلذلك كان الحكم فى غير المذكور أولى منه فى المذكور فالجزاء بأكثر من المثقال أشد مناسبة منه بالثقال، والتأدية بالدينار أنسب منه بالقنطار وعدم التأدية بالقنطار أنسب منه بالدينار، ولا يمكن معرفة ذلك أعنى كون الحكم أشد مناسبة للحكم فى المسكوت عنه منه فى المذكور إلا باعتبار المعنى المناسب المقصود من الحكم كالإكرام فى منع التأفيف وعدم تضييع الإحسان والإساءة فى الجزاء والأمانة فى أداء القنطار وعدمها فى عدم أداء الدينار.

وقوله: تنبيه بالأدنى، أى بالأدنى وهو الأقل مناسبة على الأعلى وهو الأكثر

<<  <  ج: ص:  >  >>