للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أبا عبيد لما سمع قوله عليه السلام: "لى الواجد يحل عقوبته وعرضه" أى مطل الغنى يحل حبسه ومطالبته، قال: هذا يدل على أن لى غير الواجد لا يحل عقوبته وعرضه، ولما سمع قوله: "مطل الغنى ظلم"، قال يدل على أن مطل غير الغنى ليس بظلم، وقيل له فى قوله عليه الصلاة والسلام: "لأن يمتلئ بطن الرجل قيحًا خير من أن يتملئ شعرًا": المراد بالشعر هاهنا الهجاء مطلقًا، أو هجاء الرسول خاصة؟ فسمعه، فقال: "لو كان كذلك لم يكن لذكر الامتلاء معنى لأن قليله وكثيره سواء فيه"، فجعل الامتلاء من الشعر فى قوة الشعر الكثير يوجب ذلك ففهم منه أن غير الكثير ليس كذلك فاحتج به فقد ألزم من تقدير الصفة المفهوم فكيف من التصريح بها هذا، وقد قال الشافعى بمفهوم الصفة، وهما عالمان بلغة العرب، فالظاهر فهمهما ذلك لغة، ولو لم يفده لغة لما فهم منه فظهر إفادته لغة، وهو المطلوب، واعترض عليه بأنا لا نسلم فهمهيا ذلك لغة، لجواز أن يبنيا على اجتهادهما.

الجواب: أن أكثر اللغة إنما يثبت بقول الأئمة رضى اللَّه عنهم أجمعين، معناه كذا وهذا التجويز قائم فيه وأنه لا يقدح فى إفادته الظن ولو كان قادحًا لما ثبت مفهوم شئ من اللغات، واعترض عليه أيضًا بالمعارضة بمذهب الأخفش، فإنه نفاه مع كونه عالمًا بالعربية، فدل أنه ليس من مفهوم اللغة.

الجواب: أنه لم يثبت نفى الأخفش له كما ثبت إثبات أبى عبيد والشافعى له، فإن أبا عبيد قد كرر ذلك فى مواضع كما علمت فصار القدر المشترك مستفيضًا والشافعى روى عنه أصحاب مذهبه مع كثرتهم والمخالفون له ولا كذلك الأخفش ولو سلم فمن ذكرناه وهو أبو عبيد والشافعى أرجح من الأخفش لأنهما اثنان أعظم منه فى العلم والشهرة ولو سلم فهما يشهدان بالإثبات وهو يشهد بالنفى، والمثبت أولى بالقبول من النافى، لأنه إنما ينفى لعدم الوجدان، وأنه لا يدل على عدم الوجود إلا ظنًا، والمثبت يثبت للوجدان وأنه يدل على الوجود قطعًا، ولنا أيضًا لو لم بدل على أن المراد مخالفة المسكوت عنه للمذكور فى الحكم لما كان لتخصيص المذكور بالذكر فائدة، إذ الفرض عدم فائدة غيره واللازم باطل لأنه لا يستقيم أن يثبت تخصيص آحاد البلغاء بغير فائدة فكلام اللَّه ورسوله أجدر، واعترض بأنه إثبات لوضع التخصيص لنفى الحكم عن المسكوت عنه بما فيه من

<<  <  ج: ص:  >  >>