للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قال: (مسألة: الجمهور جواز النسخ من غير بدل، لنا أن مصلحة المكلف قد تكون فى ذلك وأيضًا فإنه وقع كنسخ وجوب الإمساك بعد الفطر وتحريم ادخار لحوم الأضاحى، قالوا: {نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} [البقرة: ١٠٦]، وأجيب بأن الخلاف فى الحكم لا فى اللفظ، سلمنا لكن خصص سلمنا ويكون نسخه بغير بدل خيرًا لمصلحة علمت، ولو سلم أنه لم يقع فمن أين لم يجز).

أقول: قد اختلف فى جواز نسخ التكليف من غير تكليف آخر يكون بدلًا عنه فجوزه الجمهور، ومنعه قوم، لنا أنه إن لم يقل برعاية المصالح فلا إشكال، وإن قيل بها فلا استحالة عقلًا، بأن تكون المصلحة فى النسخ عنه بلا بدل، ولنا أيضًا أنه لو لم يجز لما وقع وقد وقع منه, قوله تعالى: {فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً} [المجادلة: ١٢]، أوجب الصدقة عند مناجاة الرسول، ثم نسخ بلا بدل ومنه أن الإمساك بعد الفطر عن المباشرة كان واجبًا ثم مسخ بلا بدل، ومنه أنه نهى عن ادخار لحوم الأضاحى محرمًا ثم نسخه مبيحًا بلا بدل.

قالوا: قال تعالى: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} [البقرة: ١٠٦]، ولا يتصور كونه خيرًا أو مثلًا إلا فى بدل.

الجواب: أن المراد: نأت بلفظ خير منها لا بحكم خير من حكمها، وليس الخلاف فى اللفظ إنما الخلاف فى الحكم ولا دلالة عليه فى الآية، سلمنا أن المراد نأت بحكم خير منها، لكنه عام يقبل التخصيص فلعله خصص بما نسخ لا إلى بدل سلمناه ولا يلزم البدل إذ أتى بنسخه من غير بدل وهو حكم فلعله خير للمكلف لمصلحة يعلمها اللَّه ولا نعلمها نحن، سلمناه لكن هذا دال على عدم الوقوع وأما على عدم الجواز فلا، والنزاع فى الجواز.

لأنه لا خلاف فى أن النسخ إنما يكون بدليل وهو لا محالة يثبت حكمًا آخر كالإباحة فى الصور المذكورة التى نسخ فيها الوجوب والتحريم ولا فى أن كل آية تنسخ يؤتى بآية أخرى يكون العمل بها أكثر منها ثوابًا أو مثلها والظاهر أن مراد القائلين بوجوب البدل فى النسخ هو إثبات حكم آخر متعلق بذلك الفعل الذى ارتفع عنه الحكم المنسوخ كالإباحة عند نسخ الوجوب أو الحرمة على ما ذهب إليه صاحب الكشاف من أن النسخ هو الإذهاب إلى بدل والإنشاء هو الإذهاب لا إلى

<<  <  ج: ص:  >  >>