قال:(مسألة: المختار جواز نسخ التكليف بالإخبار بنقيضه خلافًا للمعتزلة، وأما نسخ مدلول خبر لا يتغير فباطل، والمتغير كإيمان زيد وكفره مثله، خلافًا لبعض المعتزلة، واستدلالهم بمثل أنتم مأمورون بصوم كذا ثم ينسخ يرفع الخلاف).
أقول: الكلام فى نسخ الخبر وله صورتان: إحداهما: نسخ إيقاع الخبر بأن يكلف الشارع أحدًا بأن يخبر بشئ عقلى أو عادى أو شرعى كوجود البارى وإحراق النار، وإيمان زيد ثم ينسخه فهذا جائز باتفاق، وهل يجوز نسخه بنقيضه أى بأن يكلفه الإخبار بنقيضه، المختار جوازه، خلافًا للمعتزلة، ومبناه أصلهم فى حكم العقل لأن أحدهما كذب، فالتكليف به قبيح وقد علمت فساده، ثانيتهما: نسخ مدلول الخبر فإن كان مدلوله مما لا يتغير كوجود الصانع وحدوث العالم فلا يجوز اتفاقًا، وأما مدلول خبر يتغير كإيمان زيد وكفره فقد اختلف فيه، والمختار أنه مثل ما لا يتغير مدلوله فلا يجوز، وعليه الشافعى وأبو هاشم خلافًا لبعض المعتزلة، فإن منهم من أجازه فى المتعلق بالمستقبل دون الماضى، ثم استدلوا عليه بأنه إذا قال بنص أنتم مأمورون بصوم رمضان، ثم قال لا تصوموا رمضان جاز اتفاقًا وهذا مما يرفع الخلاف بيننا وبينهم لأنه نسخ لوجوب صوم رمضان فليس بخبر بل هو أمر أخبر عنه وأما مدلول الخبر وهو وقوع الأمر فلم ينسخ، واعلم أنا قد اتفقنا على أنه يجوز أن يقول أما أنا فأفعل كذا أبدًا، ثم يقول أردت عشرين سنة لكنه تخصيص لا نسخ، وإذ لا خلاف محققًا فلا معنى للحجاج.
أخبر بأن النار محرقة ثم يقول: أخبر بأن النار ليست بمحرقة فقول المصنِّف بالإخبار متعلق بالتكليف، وقوله بنقيضه متعلق بنسخ والضمير للمخبر به لا للتكاليف ولا للإخبار، وفى بعض النسخ لفظ بالإخبار مكرر الأول متعلق بالتكليف، والثانى بنسخ والمعنى يجوز نسخ تكليفنا بالإخبار بشئ على أى وجه كان بالإخبار أى بتكليفنا بالإخبار بنقيض ذلك الشئ خلافًا للمعتزلة فإنهم لا يجوزونه فى جميع الصور بل فيما يتغير خاصة وإن كان ظاهرا عبارة المتن أنهم لا يجوزونه أصلًا كذا فى شرح العلامة وليس بسديد لأنه لا يتحقق النقيض إلا بعد اتحاد الزمان سواء كان مما يتغير أو لا يتغير فبالضرورة يكون أحد النقيضين كذبًا والإخبار به قبيحًا.
قوله:(بل هو) أى وجوب صوم رمضان بل ما يفيد ويدل عليه أمر أخبر عنه