قال:(مسألة: الجمهور على جواز نسخ السنة بالقرآن، وللشافعى قولان لنا لو امتنع لكان لغيره والأصل عدمه، وأيضًا التوجه إلى بيت المقدس بالسنة، ونسخ بالقرآن، والمباشرة بالليل، كذلك، وصوم عاشوراء، وأجيب بجواز نسخه بالسنة ووافق القرآن، وأجيب بأن ذلك يمنع تعيين ناسخ أبدًا، قالوا: التبين والنسخ رفع لا بيان، قلنا المعنى لتبلغ ولو سلم فالنسخ أيضًا بيان ولو سلم فأين نفى النسخ، قالوا: منفر قلنا إذا علم أنه مبلغ فلا نفرة).
أقول: قد اختلف فى جواز نسخ السنة بالقرآن والجمهور على جوازه وللشافعى رضى اللَّه عنه فيه قولان، لنا أنه لو امتنع لامتنع لغيره واللازم منتف، إما لملازمة فلأنه بالنظر إلى نفسه ممكن لا يلزم من فرض وقوعه محال، وإما انتفاء اللازم فلأن الأصل عدم غيره ولنا أيضا: الوقوع منه أن التوجه إلى بيت المقدس ثبت بالسنة فإنه ليس فى الآيات ما يدل عليه ثم نسخ بالقرآن، وهو قوله تعالى:{فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ}[البقرة: ١٤٩]، ومنه حرمة المباشرة بالليل، ثبتت بالسنة لما ذكرنا ونسخت بالقرآن، وهو قوله تعالى:{فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ}[البقرة: ١٨٧]، {حَتَّى يَتَبَيَّنَ}[البقرة: ١٨٧]، ومنه صوم عاشوراء، ثبت بالسنة لما ذكرنا ونسخ بالقرآن، وهو قوله تعالى:{فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ}[البقرة: ١٨٥]، واعترض عليه بأنا لا نسلم أن النسخ فيما ذكرتم من الصور بالقرآن لجواز أن يثبت بالسنة ويوافقه القرآن، فإن الحكم الموافق لنص لا يجب أن يكون منه.
الجواب: أن ذلك لو صح لمنع تعيين ناسخ أبدًا لتطرق مثل ذلك الاحتمال إليه وأنه خلاف الإجماع ولا يخفى أن ذلك غير لازم فيما علم بطرقه السابقة، وقد يقال ربما ثبت بما نسخ من الكتاب تلاوته.
قالوا: أولًا: قال تعالى: {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ}[النحل: ٤٤]، دل على أن الرسول عليه الصلاة والسلام مبين للأحكام وهو الغرض من بعثته فلو نسخ بما جاء به لكان رافعًا لا مبينًا لأن نسخ الحكم رفع له ورفع الشئ لا يكون بيانًا له.
الجواب: أن المعنى بالبيان فى الآية تبليغه إليهم لأنه إظهار، ولو سلم فالنسخ أيضًا بيان لانتهاء أمد الحكم، ولو سلم فكونه مبينًا لا ينفى كونه ناسخًا أيضًا لأنه قد يكون مبينًا لما ثبت من الأحكام ناسخًا لما ارتفع منها ولا منافاة بينهما.