قال:(الثالث: السبر والتقسيم وهو حصر الأوصاف فى الأصل وإبطال بعضها بدليله فيتعين الباقى ويكفى بحثت فلم أجد والأصل عدم ما سواها فإن بين المعترض وصفًا آخر لزم إبطاله لا انقطاعه والمجتهد يرجع إلى ظنه ومتى كان الحصر والإبطال قطعيًا فقطعى وإلا فظنى).
أقول: الثالث من مسالك العلية: هو: السبر والتقسيم، وهو: حصر الأوصاف الموجودة فى الأصل الصالحة للعلية فى عدد ثم إبطال بعضها وهو ما سوى الذى يدعى أنه العلة واحدًا كان أو أكثر، مثاله: أن يقول فى قياس الذرة على البر فى الربوية: بحثت عن أوصاف البر فما وجدت ثم ما يصلح علة للربوية فى بادئ الرأى إلا الطعم أو القوت أو الكيل لكن الطعم والقوت لا يصلح لذلك عند التأمل فتعين الكيل، وههنا بحثان:
الأول: أنه يكفى فى بيان الحصر إذا منع أن يقول: بحثت فلم أجد سوى هذه الأوصاف، ويصدق فيه لعدالته وتدينه وذلك مما يغلب الظن عدم غيره لأن الأوصاف العقلية والشرعية مما لو كانت لا خفيت على الباحث عنها، أو يقول: لأن الأصل عدم غيرها فإن بذلك يحصل الظن المقصود.
الثانى: أن المعترض له أن يبين وصفًا آخر، مثل أن يقول: ههنا وصف آخر وهو كونه خير قوت فإذا بين لزم المستدل إبطاله إذ لا يثبت الحصر الذى قد ادعاه بدونه ولا يلزم انقطاعه إذ غايته منع مقدمة من مقدمات دليله ومقتضاه لزوم الدلالة عليها دون الانقطاع وإلا كان كل منع قطعًا والاتفاق على خلافه، وقيل إنه ينقطع لأنه ادعى حصرًا ظهر بطلانه، والحق أنه إذا أبطله فقد سلم حصره وكان له أن يقول: هذا مما علمت أنه لا يصلح فلم أدخله فى حصرى، وأيضًا فإنه لم يدع الحصر قطعًا بل إنى ما وجدت أو أظن العدم وهو فيه صادق فيكون كالمجتهد إذا ظهر له ما كان خافيًا عليه وأنه غير مستنكر.
قوله:(وهو) أى هذا المسلك الذى يسمى السبر والتقسيم حصر الأوصاف ثم إبطال البعض وعند التحقيق الحصر راجع إلى التقسيم والسبر إلى الإبطال فإن قيل المفروض أن الأوصاف كلها صالحة لعلية ذلك الحكم والإبطال نفى لذلك لأن معناه بيان عدم صلوح البعض فتناقض قلنا: قد أشار إلى الجواب بأن صلوح الكل