للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال: (واستدل بما تواتر معناه من ذكر العلل ليبتنى عليها مثل: "أرأيت لو كان على أبيك دين. . "، "أينقص الرطب إذا جف. . " وليس بالبين واستدل بإلحاق كل زان بماعز، ورد بأن ذلك لقوله حكمى على الواحد أو للإجماع. واستدل بمثل: {فَاعْتَبِرُوا} [الحشر: ٢]، وهو ظاهر فى الاتعاظ وفى الأمور العقلية مع أن صيغة افعل محتملة واستدل بحديث معاذ وغايته الظن).

أقول: ما ذكرناه هو الدليل الصحيح على التعبد بالقياس، وللقوم فيه دلائل أخر استدل عليه بما تواتر معناه وإن كان التفاصيل آحادًا من ذكر النبى -صلى اللَّه عليه وسلم- العلل فى الأحكام ليبتنى عليها فى غير تلك الحال وذلك معنى القياس ولولا التعبد به لما فعل ذلك فمنه: "أرأيت لو كان على أبيك دين"، "أينقص الرطب. . "، "فإنهم يحشرون. . "، "إنها من الطوافين. . "، ". . فإنه لا يدرى أين باتت يده"، وفى الصيد وقع فى الماء: "لا تأكل سنه فلعل الماء أعان على قتله" وهذا الاستدلال ليس ببين فى الدلالة على المقصود فإنه يمنع أن المقصود من ذكرها أن يقاس عليها لأنه أمر خفى ولعله ليعلم حكمتها، ولذلك جاز النص بالعلل القاصرة وكأنه بالنسبة إلى من يمنع القياس المنصوص العلة مصادرة على المطلوب وبالقياس إلى غيرهم نصب للدليل فى غير محل النزاع، واستدل بمثل قوله تعالى: {فَاعْتَبِرُوا يَاأُولِي الْأَبْصَارِ} [الحشر: ٢]، والاعتبار هو قياس الأمر بالأمر، وإثبات مثل حكم محل فى محل آخر، ومنه الاعتبار بمعنى الاتعاظ فإنه فرض لما ينزل بالغير فى حق نفسه، والحق أنه ظاهر فى الاتعاظ لوضعه له، أو لغلبته فيه، فإذا قال: اعتبر بهذا الرجل فهم منه اتعظ به، ومنه العبرة لما يتعظ به المتعظ. قال:

ما مر يوم على حى ولا ابتكرا ... إلا رأى عبرة فيه إن اعتبرا

سلمناه لكنه ظاهر فى القياس فى الأمور العقلية كما يقال فى إثبات الصانع تعالى، اعتبر بالدار هل يمكن حدوثها من غير صانع فما ظنك بالعالم، وأما القياس الشرعى فلا يسمى اعتبارًا فإنه إذا قيل اعتبر لم يفهم قياس الذرة على البر لا بخصوصه ولا بعموم هذا مع أن اعتبروا أمر والأمر أعنى صيغة: افعل لا لفظه، أمر محتملة للوجوب، ولغيره من المعانى وللمرة والتكرار ولعموم المفعولات وللإطلاق وللخطاب مع الحاضرين فقط أو معهم ومع غيرهم وكثر الخلاف فى كل واحد منها مع جواز التجوز اتفاقًا وإن خالف الأصل فظن وجوب العمل للكل

<<  <  ج: ص:  >  >>