قال:(وأصح الحدود صفة توجب تمييزا لا يحتمل النقيض فيدخل إدراك الحواس كالأشعرى وإلا زيد فى الأمور المعنوية واعترض بالعلوم العادية فإنها تستلزم جواز النقيض عقلًا، وأجيب بأن الجبل إذا علم بالعادة أنه حجر استحال أن يكون حينئذٍ ذهبًا ضرورة وهو المراد ومعنى التجويز العقلى أنه لو قدّر لم يلزم منه محال لنفسه لا أنه محتمل).
أقول: وأما القائلون بأنه يحد فقد ذكروا له محدودًا، وأصحها أنه صفة توجب لمحلها تمييزًا لا يحتمل النقيض بوجه وهذا يتناول التصور إذ لا نقيض له، والتصديق اليقينى إذ له نقيض ولا يحتمله. ثم من كان يرى رأى الأشعرى يقتصر على هذا فيدخل فيه إدراك الحواس كالسمع والبصر وإلا زاد فى الحد قيدًا فقال: تمييزًا فى الأمور المعنوية فيخرج لأن تمييزها فى الأمور العينية الخارجية وقد اعترض على هذا الحد بالعلم بالأمور العادية ككون الجبل حجرًا فإنه علم ويحتمل النقيض لجواز انقلاب الجبل ذهبًا مثلًا لتجانس الجواهر واستوائها فى قبول الصفات مع ثبوت القادر المختار وهما يوجبان جواز ذلك. وأجاب بالمنع وأسند بأن الشئ يمتنع أن يكون فى الزمن الواحد حجرًا وذهبًا بالضرورة فإذا علم بالعادة كونه حجرًا فى وقت استحال أن يكون فى ذلك الوقت ذهبًا وإذا علم كونه حجرًا دائمًا استحال أن يكون ذهبًا فى شئ من الأوقات ونفى احتمال النقيض فى نفس الأمر فى جميع العلوم ضرورى نعم إنه يحتمل النقيض بمعنى أنه لو قدّر بدله نقيضه لم يلزم منه محال لنفسه وذلك لا يوجب الاحتمال كما فى حصول الجسم فى حيزه واختصاصه بحركته أو سكونه إذا علم بالحس فإنه لو قدر نقيضه فى ذلك الوقت لم يلزم منه محال مع أن نقيضه فى ذلك الوقت غير محتمل. ولتحقيق أن احتمال متعلقه لنقيض الحكم الثابت فيه لا يستلزم أن لا يجزم بأن الواقع أحدهما بعينه جزمًا مطابقًا لأمر يوجبه من حس وغيره.
قوله:(تمييزًا لا يحتمل النقيض) الظاهر من مثل هذه العبارة أنه لا يحتمل نقيض ذلك التمييز وفى بعض الشروح أن المراد يوجب التمييز إيجابًا لا يحتمل النقيض وفى قول الشارح وهذا يتناول التصور إذ لا نقيض له إشعار بأن المراد نقيض تلك الصفة لأنها العلم الذى هو التصور والتصديق، وفى آخر كلامه ما