واستصحاب الزوجية فى الثانية فلو لم يعتبر الاستصحاب للزم استواء الحالين فى التحريم والجواز وهو باطل لأنه خلاف الإجماع فقد علم إجماعهم على اعتبار الاستصحاب من المسألتين.
قالوا: أولًا: الطهارة والحل والحرمة ونحوها أحكام شرعية والأحكام الشرعية لا تثبت إلا بدليل منصوب من قبل الشارع وأدلة الشرع منحصرة فى النص والإجماع والقياس إجماعًا والاستصحاب ليس منها فلا يجوز الاستدلال به فى الشرعيات.
الجواب: إن ما ذكرتم من وجوب دليل منصوب من جهة الشارع إنما يصح فى إثبات الحكم ابتداءً وأما فى الحكم ببقائه فممنوع إذ يكفى فيه الاستصحاب ولو سلم فلا نسلم أن الدليل منحصر فى الثلاثة بل ههنا رابع وهو الاستصحاب فإن ذلك عين محل النزاع.
قالوا: ثانيًا: لو كان الأصل البقاء لكانت بينة النفى أولى بالاعتبار من بينة الإثبات واللازم منتف أما الملازمة فلأن بينة النفى مؤيدة باستصحاب البراءة الأصلية فيكون الظن الحاصل بها أقوى وأما انتفاء اللازم فلأن البينة لا تعتبر من النافى وهو المدعى عليه وتقبل من المثبت وهو المدعى اتفاقًا.
الجواب: منع الملازمة وإنما تصح لو حصل الظن بهما، ويتأيد أحدهما بالاستصحاب وليس كذلك فإن الظن لا يحصل إلا ببينة المثبت وذلك لأنه يبعد غلطه بأن يظن المعدوم موجودًا بخلاف النافى إذ لا يبعد غلطه فى ظن الموجود معدومًا بناءً على عدم علمه به مع بنائه على استصحاب البراءة، وله وجوه أخر من الأولوية وهى أن المثبت يدعى العلم بالوجود وله طرق قطعية بخلاف النافى فإن طريقه وهو عدم العلم ظنى، وأن النفس إلى دفع غير الملائم أميل منه إلى جلب الملائم ولذلك يدفع كل غير ملائم ولا يجلب كل ملائم فيكون إنكار الحق أكثر من دعوى الباطل والتجربة دالة على ذلك فقد عارض الأصل الغلبة وبقى ما ذكرنا سالمًا.
قالوا: ثالثًا: القياس جائز فينتفى ظن بقاء الأصل والأولى ظاهرة، وأما الثانية فلأن القياس يرفع حكم الأصل اتفاقًا فلا ظن إلا بعدم قياس يرفعه؛ لكن الأصول التى يمكن القياس عليها غير متناهية فالحكم بانتفائه مع الجواز تحكم.