قالوا: ثانيًا: لو كان واجبًا لألزم الصحابة العوام بذلك، واللازم باطل، فإنا نعلم أن أكثر عوام العرب لم يكونوا عالمين بالأدلة الكلامية وأن الأعرابى الجلف والأمة الخرساء يحكم بإسلامهم بمجرد الكلمتين.
الجواب: أنهم ألزموهم وليس المراد تحرير الأدلة بالعبارات المصطلح عليها ودفع الشكوك الواردة فيها إنما المراد الدليل الجملى بحيث يوجب الطمأنينة ويحصل بأيسر نظر وكانوا يعلمون منهم العلم به كما قال الأعرابى: البعرة تدل على البعير وأثر الأقدام على المسير، أفسماء ذات أبراج وأرض ذات فجاج لا تدل على اللطيف الخبير.
القائلون بوجوب التقليد فيها قالوا: النظر فيها مظنة الوقوع فى الشبه والضلال لاختلاف الأذهان والأنظار بخلاف التقليد فإنه طريق آمن فوجب احتياطًا ولوجوب الاحتراز عن مظنة الضلال إجماعًا.
والجواب: أن ما ذكرتم يوجب أن يحرم النظر على المقلد أيضًا لأنه مظنتهما فتقليده فيما يحتملهما أجدر بأن يحرم فإن نظر فممتنع، وإن قلد فيه فالكلام عائد فى مقلده ويلزم التسلسل.
قوله:(فإذا قلد واحد) يشير إلى أن لزوم حقية النقيضين مفتقر إلى اعتبار تعدد المقلدين بأن يحصل لزيد العلم بحدوث العالم تقليدًا منه لمن يقول به ولعمرو العلم بقدمه تقليدًا لمن يقول به والعلم يستدعى المطابقة فيستلزم حقية القدم والحدث وقرره بعض الشارحين إن زيدًا إذا قلد القائل بالحدوث حصل له بالعلم به وإذا قلد القائل بالقدم حصل له العلم به وعدل عنه المحقق لإمكان المناقشة بأنه إذا قلد القائل بالحدوث لم يمكنه تقليد القاتل بالقدم كما مر فى تواتر النقيضين وما ذكر فى بعض الشروح من أن النظر أيضًا قد يفضى مرة إلى الحدوث ومرة إلى القدم مدفوع بأن المفضى إلى العلم إنما هو النظر الصحيح وبهذا يندفع اعتراضه على الأول بأن الحاصل بالنظر أيضًا يحتمل الخطأ.
قوله:(إذ لو علم صدقه بدليل) مشعر بأن المعتبر فى نفى التقليد قيام الحجة على صدق المخبر وما سبق فى تعريف الفعلية مشعر بأن المعتبر قيام الحجة على