والتصديق بالعرض قال فى الشفاء: إثبات الحد للشئ هو إثبات المحدود له وبالعكس وإنما يؤتى بهذا لقوم بله لم يفهموا معنى الموضوع أو المحمول إذا ذكر وحده وإذا ذكره غيره تصوروه وفيه بحث، أما أولًا فلأن الذات متقدمة على التصديق بثبوت الذاتى لها كتقدمها على التصديق باللزوم، وأما تأخر تصورها عن الذاتى وتقدمه على اللازم فلا يقدح فى ذلك فلم كان علة له فى أحدهما دون الآخر على أنهم صرحوا بأن تصورات أطراف البديهيات كافية فى الحكم بينها، وأما ثانيًا فلأن ما نقله عن الشفاء إنما هو فى توسيط حد أحد الشيئين فى التصديق بالنسبة بينهما لا فى توسيط أخص الذاتين فى إثبات أعمهما للذات فإنه قال فى الفصل الرابع من المقالة الرابعة من برهان الشفاء ما معناه سواء عندي طلب الشئ للشئ وطلبه لحده التام، وكذلك طلب الشئ للشئ وطلب حده التام له، ومن استدل بالحد التام فهو مصادرة على المطلوب الأول نعم ربما يذكر الأصغر وحده لمن لا فطانة له فلا يحضر معناه فلا يقبل حمل الأكبر عليه فإذا عقب بحده فهم وقبل فذكر الأوسط إنما هو للتصور بالذات وللتصديق بالعرض وقال فى المقالة الأولى من برهانه أيضًا: الفصل العاشر فى بيان كيفكية كون الأخص علة لإنتاج الأعم على ما دون الأخص، ثم قال: إنه مما يشكل إشكالًا عظيمًا أن الحيوان كيف يكون سببًا لكون الإنسان جسمًا على ما ادعيناه فإنه ما لم يكن الإنسان جسمًا لم يكن حيوانًا فإن الجسمية سبب لوجود الحيوان ثم حقق ذلك بما لا يحتمله المقام.
قوله:(أى هو الذى يتقدم على الذات فى التعقل) قد اشتهر فى كلام القوم أن الجزء متقدم على الكل فى الموجودين وكذا فى العدمين لكن التقدم فى الوجود شامل لكل واحد من الأجزاء والتقدم فى العلم إنما هو لواحد منها لا بعينه، ومعناه أن الجزء حيث كان جزءًا يتقدم على الكل، ولما كان الذاتى جزءًا عقليًا لا يتميز عن الذات فى الوجود إلا هناك كان تقدمه فى التعقل فقط، (وهذا) التعريف (يختص بجزء الحقيقة) إذ لا تقدم للذات فى التعقل على نفسها بخلاف الأولين فإنهما يعمان الذات أيضًا كما أوضحناه، (وهذان) التفسيران أعنى الأخيرين (راجعان إلى الأول) ولازمان له فإنه إذا لم يمكن تصور ثبوت الذات فى الذهن قبل ثبوت الذاتى وكان ارتفاعه عين ارتفاعها، وجب أن لا يعلل ثبوته