قلت: دعوى ذلك كلية ممنوع لجواز استلزام الكاذب الصادق قلت: القطع بالنتيجة إذا كان حاصلًا من استلزام المقدمات إياها فلا بد أن تكون هى أيضًا مقطوعًا بها، وكون اللزوم وحده قطعيًا لا يجدى ذلك، نعم ربما يقطع بالنتيجة لسبب آخر يدلك على ما ذكرناه أن الكاذب إذا زال اعتقاده بنقيضه؛ فإن زالت النتيجة لم تكن قطعية وإلا لكان قطعها مستندًا إلى جهة أخرى فتعين العكس أعنى جعل قطعى مقدماته مسلمة بناء على أن البرهان دليل مقدماته كذلك؛ فيستدل بها على قطعية نتيجته فوجب حمل اللام على العاقبة، واعتبار كون اللزوم قطعيًا كما أشار إليه بقوله: وحينئذ تنتج قطعيًا وبقوله: لازمة المقدمات حقة قطعًا أى لزومًا قطعيًا فالبرهان قطعى مقدماته واستلزامه لنتيجته فتكون هى أيضًا قطعية.
قوله:(ولا بد أن تنتهى. . . إلخ) مقدمات البرهان قطعية ولا يجب من ذلك كونها ضرورية إذ النظريات قد تكون قطعية، نعم يجب انتهاؤها إلى الضروريات دفعًا للدور والتسلسل واقتصر المصنف على التسلسل لدلالته على الدور حيث يقترنان غالبًا، ولم يعكس لأن الدور ظاهر البطلان فلا حاجة إلى ذكره وإبطاله بخلاف التسلسل وقيل المراد به عدم تناهى التوقفات فإما فى مواد متناهية وهو الدور أو غير متناهية وهو التسلسل المتعارف، وقد يقال: الدور مستلزم للمتعارف منه فى كل واحد من طرفيه على ما هو المشهور والأول أنسب بعبارة الشارح.
قوله:(وأما الأمارات أى ما هى ظنية) يعنى أراد بالأمارات ما مقدماته ظنية أى غير قطعية أى لا تكون هى بأسرها مقطوعًا بها؛ فإن الظن كثيرًا ما يطلق على مقابل اليقين فيتناول الظنون الصرفة والاعتقادات الصحيحة والفاسدة، والشاهد على إرادته وقوع الأمارات بإزاء البرهان الذى مقدماته قطعية، وقوله: فتستلزم النتيجة استلزامًا ظنيًا أو اعتقاديًا شرح لقول المصنف: فظنية أو اعتقادية، والمتبادر منه المناسب لما سبق فى البرهان أن مقدمات الأمارات ظنية أو اعتقادية، ثم إن نتائجها كذلك وقد منعه من حمله على أحدهما إن لم يمنع مانع فإن هذا الاشتراط إنما يعبر فى الاستلزام لا فى المقدمات أو النتيجة؛ فأشار أولًا إلى أن كون مقدمات الأمارات ظنية أى غير قطعية أمر مقطوع به أى مسلم إذ لا يراد بها إلا الدليل الذى مقدماته كذلك، وفسر قوله: فظنية بأن استلزام تلك المقدمات لنتائجها غير مقطوع به ومنه يعلم أن نتائجها لا تكون قطعية فالأمارات غير قطعية