لا يحتاج إلى عقل أو يحتاج إليه، والأول هو الوجدانيات التى تشاهد بالقوة الباطنة؛ فإن البهائم أيضًا تدرك جوعها وعطشها وألمها وأنها حاصلة لها لكنها قضايا شخصية، ومن زعم أن توحيد الضمير فى تدركه ليرجع إلى كل واحد مما ذكر وفيه تنبيه على أن حصول طرفى الحكم لا يحتاج إلى عقل، وأما حصوله بنفسه فمفتقر إليه إذ الأصح أن الحاكم هو العقل سواء كان الحكم كليًا أو جزئيًا؛ فقد ذهب عليه أن المحسوسات أيضًا كذلك، نعم إدراكها لهذه العوارض مقطوع به وأما إدراك أنها حاصلة لها أعنى الحكم فلا، والثانى أى المحتاج إلى العقل إما أن يحصل بمجرد التفاته إلى النسبة بين طرفيه فهو الأوليات شخصية كانت كعلم الإنسان بأنه موجود، أو كلية كعلمه بأن النقيضين يصدق أحدهما فقط فلا يجتمعان صدقًا ولا كذبًا، وإما أن يحتاج إلى معاونة الحس وهو إما حس السمع وهو المتواترات وهى ما يحصل بنفس الأخبار مرة بعد أخرى، وإنما قال: بنفس الأخبار احترازًا عما يحصل بالقرائن فإنه لا يسمى متوترًا وتنبيهًا على عدم الاحتياج إلى انضمام قياس خفى على ما ظن، وأما غير السمع فإما أن يحتاج إلى عادة أعنى تكرر الترتب من غير علاقة عقلية، وإنما اعتبر هذا القيد لأن تكرر الترتب مع تلك العلاقة لا يسمى عادة فهو التجربيات التامة خاصة أو عامة أو لا يحتاج إليها وهو المحسوسات التامة بالحواس الظاهرة، وفيه بحث لأنه إن أريد بها القضايا الكلية التى تستفاد من الإحساسات بالجزئيات لأنها تقع مبادئ للبرهان فى العلوم فينبغى أن يعتبر مثلها فى الوجدانيات فيحتاجان معًا إلى العقل، وإن أريد القضايا الشخصية فيهما فالحكم بالاحتياج إليه فى أحدهما دون الآخر تحكم ولم يذكر القضايا الفطرية القياس؛ إما لأنه جعلها نظريات جلية أو أدرجها فى الأوليات لأن تصورات أطرافها كافية فيما هو كاف فيها فهى ملزوزه فى قرنها، ولما تبين جميع مبادئ البرهان ظهر أن ما عداها مبادئ الأمارة، وأشار الشارح إليها متابعة للمنتهى واستيفاء لحق المقام فإن مقدمات الأمارة لا بد أن تنتهى أيضًا إلى الضروريات، وإلا لزم الدور أو التسلسل وزعم أن الحدسيات مندرجة تحت الظنيات الصرفة موافقة له وإن جعلها المنطقيون من اليقينيات، واندراج المسلمات تحتها ظاهر وأما عده المشهورات والوهميات من أنواع المقدمات الظنية فبناء على أن المراد بها ما يقابل القطعية كما تقدم، وقوله: وكالتجربيات الناقصة والمحسوسات