للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال: (فالمبادئ حده وفائدته واستمداده).

أقول: قد ذكر من مبادئ العلم ثلاثة أمور:

أحدهما: حده؛ لأن كل طالب كثرة تضبطها جهة وحدة حقه أن يعرفها بتلك الجهة إذ لو اندفع إلى طلبها قبل ضبها لم يأمن أن يفوته ما يعنيه ويضيع وقته فيما لا يعنيه.

ولا شك أن كل علم مسائل كثيرة تضبطها جهة وحدة باعتبارها تعد علمًا واحدًا يفرد بالتدوين والتعليم.

ومن تلك الجهة يؤخذ تعريفه فإن كان حقيقة ومسمى اسمه ذلك كان حدًا له وإلا فلا بد أن يستلزم تميزها فيكون رسمًا له فإذًا لا بد لكل طالب علم أن يتصوره أو لا يحده أو يرسمه ليكون على بصيرة فى طلبه فإن من لم يتصور كذلك ركب متن عمياء وخبط خبط عشواء.

وثانيهما: فائدته ليخرج عن العبث وليزداد جد طالبه فيه إذا كانت مهمة ولئلا يصرف فيه وقته إذا لم يوافق غرضه.

وثالثها: استمداده إما إجمالًا فببيان أنه من أى علم يستمد ليرجع إليه عند روم التحقيق وإما تفصيلًا فبإفادة شئ مما لا بد من تصوّره وتسليمه أو تحقيقه لبناء المسائل عليه.

قوله: (قد ذكر من مبادئ العلم) أى مما يبدأ به قبل الشروع فى مقاصد العلم سواء كانت خارجة عنه وتسمى مقدمات كمعرفة الحد والغاية وبيان الموضوع والاستمداد، أو داخلة وتسمى مبادئ كتصور الموضوع والأعراض الذاتية والتصديقات التى منها تتألف قياسات العلم، إذ لو أريد بالمبادئ المصطلح عليها لم يصح جعل الحد والفائدة والاستمداد إجمالًا منها ولو أريد ما سماه المصنف مبادئ كانت كلمة وفائدته واستمداده، فاندفع ما قيل من أن المبادئ إن حملت على المصطلح لم يصح جعل الحد والغاية منها وإن حملت على ما سماه المصنف مبادئ كانت كلمة من لغوًا؛ لأن ما ذكر نفس المبادئ لا بعضها وأجيب أيضًا باختيار الشق الثانى وهو أنها للبيان قدم على المبين وإنما لم يذكر الموضوع فى المبادئ لأن تصوره داخل فى الاستمداد أعنى المبادئ بالمعنى الأخص والتصديق بموضوعيته من

<<  <  ج: ص:  >  >>