قوله:(قد ذكر من المبادئ ثلاثة أمور) قد اختلف مقالتهم بسبب ذكر لفظة "من" والمصنف ذكر فى هذا الكتاب أن مبادئ العلم هذه الأمور الثلاثة وذكر فى كتابه الآخر أنها أمور أربعة وبعضهم قال لفظة من ههنا للتبعيض إذ الموضوع أيضًا من المبادئ، وبعضهم قال لفظة من للبيان وعدم اعتبار الموضوع قسمًا على حدة مبنى على أن تصوره من الاستمداد والتصديق بموضوعيته مستغن عنه وأهليته غير مذكورة فى بابها إذ هى معلومة فى غيره، والأولى هو الثانى لأن المراد بالمبادئ بها يتوقف عليه المقصود ذاتًا أو شروعًا، والتوقف بالنسبة إلى الحد والغاية ظاهر لأن الشارع الطالب يجب أن يتصور العلم بأمر مختص به وإلا لم يكن طالبًا له إذ لو تصوره بأمر الأعم مثلًا لا يمكن له الطلب لهذا الأمر الخاص بل مطلوبه على هذا التقدير ما يصدق عليه ذلك الأعم وجميع الخواص فيه مساوية فإذا وجد واحد وجد المطلوب ولو سلم أن الشروع يمكن بدون الأمر المختص فالشروع على البصيرة يتوقف عليه، ويجب على الشارع أن يتصور له فائدة لأن الشروع فعل اختيارى ولا بد فيه من تصور فائدة وأما التوقف على الموضوع فليس بثابت إذا أريد التصديق بالموضوعية، وإن أريد التصور فهو داخل فى الاستمداد وإن أريد أهليتها فهى ليست مما يتوقف عليه الشروع ويكون من المبادئ كما ذكره سابقًا فهى مما يتوقف عليه الذات ومنه الاستمداد.
قوله:(قدّم على المبين) يعنى أن لفظة من إذا كانت للبيان فالظاهر تأخيرها عن المبين ولذا قال السائل: إن كلمة من لغو لأن معنى التبعيض فاسد مع أن عدم صحة إرادة التبعيض لا يستلزم كونها لغوًا لجواز إرادة معنى آخر والنكتة فى تقديمه أن المبدئية ههنا أهم لأنه فى بيان التعليل على المبدئية للأمور الثلاثة واعتبار كونها ثلاثة لأجل تعليل كل منها على حدة، وأيضًا لو أخر البيان لصار بمنزلة الوصف والأظهر من التركيب التوصيفى فى الكلام أن يكون معلومًا للسامع مسلمًا عنده مع أن الشارح يكون بصدد التعليل لإثبات كون الأمور الثلاثة من المبادئ ولفظة من البيانية تقتضى أمرًا مبهمًا فى ذاته سواء كان مقدّمًا أو مؤخرًا ولا يلزم أن يقصد من ذكر المبهم شوق النفس إلى ما قصد حتى يجب تأخر البيان بل قد يقصد منه إثبات معنى للمفصل وهو ههنا كون المبادئ الثلاثة.
قوله:(فاكتفى عنه بالحد) لقائل أن يقول: يجب الاكتفاء بالتصديق بالفائدة أمر