القرينة محتملة للمعنى اللغوى والشرعى فعلى أيهما تحمل، وأما فى استعمال أهل الشرع فتحمل على الشرعى بلا خلاف. ثم لم يذكر فى الأحكام والمحصول سوى مذهبين كونها حقيقة شرعية ونسبه إلى المعتزلة ونفيه ونسبه إلى القاضى والحق أنه لا ثالث لهما لنا القطع بأن الصلاة اسم للركعات المخصوصة بما فيها من الأقوال والهيئات وأن صلاة الظهر أربع ركعات بالإجماع والزكاة والصيام والحج كذلك أى هى لمعانيها الشرعية فالزكاة لأداء مال مخصوص والصيام لإمساك مخصوص والحج لقصد مخصوص وأنها سابقة منها إلى الفهم عند إطلاقها وهى علامة الحقيقة بعد أن كانت فى اللغة الصلاة للدعاء والزكاة للنماء والصيام للإمساك مطلقًا والحج للقصد مطلقًا وهذا لم يحصل إلا بتصرف الشرع ونقله لها إليها وهو معنى الحقيقة الشرعية وقد اعترض عليه بوجهين:
الأول: قولهم: إنها باقية فى المعانى اللغوية والزيادات شروط لوقوعها عبادات معتبرة مقبولة شرعًا والشرط خارج عن المشروط فلا نقل شرعًا فكان الصلاة أى الدعاء المقبول شرعًا ما اقترن بالركعات لا أن الصلاة اسم للركعات وهذا مردود بأنها لو كانت باقية فى المعانى اللغوية وهو فى الصلاة مثلًا أما الدعاء ومنه قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "من دعى إلى طعام فليجب وإن كان صائمًا فليصل" أى فليدع لصاحب الطعام وأما الاتباع ومنه المصلى فى الحلبة لاتباعه السابق للزم أن لا يكون مصليًا إذا لم يكن داعيًا أو متبعًا واللازم باطل كالأخرس والمنفرد.
الثانى: قولهم: لا يلزم من استعمالها فى غير معانيها أن تكون حقائق شرعية بل هى مجازات وهذا أيضًا مردود فأولًا بأنه إن أريد بكون اللفظ مجازًا أن الشارع استعمله فى معناه لمناسبة للمعنى اللغوى اصطلاحًا لم يعهد من أهل اللغة ثم اشتهر فأفاد بغير قرينة فذاك معنى الحقيقة الشرعية فثبت المدعى وإن أريد به أن أهل اللغة استعملوها فى هذه المعانى والشارع تبعهم فيه فهو خلاف الظاهر فإنها معان حدثت وكان أهل اللغة لا يعرفونها واستعمال اللفظ فى المعنى فرع معرفته وثانيًا بأن هذه المعانى تفهم من هذه الألفاظ عند إطلاقها من غير قرينة ولو كانت مجازات لغوية لما فهمت إلا بقرينة.
وأنت بعد خبرتك بمحل النزاع لا تحتاج إلى التصريح بما فى كلامه من نظر القاضى ومتابعوه.