للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإن كنت تريد حقيقة الحال فى ذلك فاعلم أولًا مقدمة: وهى أن اللفظ قد يوضع وضعًا عامًا لأمور مخصوصة كسائر صيغ المشتقات والمبهمات فإن الواضع لما قال صيغة فاعل من كل مصدر لمن قام به مدلوله وصيغة مفعول منه لمن وقع عليه علم منه حال نحو: ضارب ومضروب، من غير تعرض لخصوصهما.

وكذلك إذا قال: هذا: لكل مشار إليه مخصوص، وأنا: لكل متكلم، والذى: لكل معين بجملة. وليس وضع هذا كوضع رجل فإن الموضوع له فيه عام وهذه وضعت باعتبار المعنى العام للخصوصيات التى تحته حتى إذا استعمل رجل فى زيد بخصوصه كان مجازًا وإذا أريد به العام المطابق له كان حقيقة بخلاف هذا وأنا والذى فإنه إذا أريد بها الخصوصيات كانت حقائق ولا يراد بها العموم أصلًا فلا يقال هذا والمراد أحد مما يشار إليه ولا أنا ويراد به متكلم ما وإذ قد تحقق ذلك فنقول: الحرف وضع باعتبار معنى عام وهو نوع من النسبة كالابتداء والانتهاء لكل ابتداء وانتهاء معين بخصوصه والنسبة لا تتعين إلا بالمنسوب إليه فالابتداء الذى للبصرة بتعين بالبصرة والانتهاء الذى للكوفة يتعين بالكوفة فما لم يذكر متعلقه لا يتحصل فرد من ذلك النوع هو مدلول الحرف لا فى العقل ولا فى الخارج وإنما يتحصل بالمنسوب إليه فيتعقل بتعقله بخلاف ما وضع للنوع نفسه كالابتداء والانتهاء وبخلاف ما وضع لذات ما باعتبار نسبة نحو ذو وفوق وعلى وعن والكاف إذا أريد به علو وتجاوز وشبه مطلقًا فهو كالابتداء والانتهاء.

قوله: (الحرف لا يستقل بالمفهومية) عبارة النحاة أن الحرف ما يدل على معنى فى غيره أى لا فى نفسه، وضمير فى "غيره" إما عائد إلى اللفظ بمعنى أنه لا يدل بنفسه بل بانضمام لفظ آخر إليه، وإما إلى المعنى بمعنى أنه غير تام فى نفسه أى لا يحصل من اللفظ إلا بانضمام شئ آخر إليه فصار الحاصل أنه لا يستقل بالمفهومية أى بمفهومية المعنى منه والمعنى قد يكون إفراديًا هو مدلول اللفظ بانفراده، وقد يكون تركيبيًا يحصل منه عند التركيب فيضاف أيضًا إلى اللفظ وإن كان معنى اللفظ عند الإطلاق هو الإفرادى ويشترك الاسم والفعل والحرف فى أن معانيها التركيبية لا تحصل إلا بذكر ما تتعلق به من أجزاء الكلام، ويختص الحرف بأن معناه الإفرادى أيضًا لا يحصل بدون ذكر المتعلق لكن لا بحسب اتفاق الاستعمال كما

<<  <  ج: ص:  >  >>